للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي لا إله إلا هو, أولًا من وصف حالهم وعدم الاتصاف به, بل ما شممنا له رائحة, ولكن محبة القوم تحمل على تعرف منزلتهم والعلم بها, وإن كانت النفوس متخلفة منقطعة عن اللحاق بهم, فاسمع الآن وصف القوم واحضر ذهنك لشأنهم العجيب وخطرهم الجليل, فإن وجدت من نفسك حركة وهمة إلى التشبه بهم فاحمد الله وادخل فالطريق واضح والباب مفتوح.

فنبأ القوم عجيب, وأمرهم خفي إلا على من له مشاركة مع القوم, فإنه يطلع على ما يريه إياه القدر المشترك, وجملة أمرهم أنهم قوم قد امتلأت قلوبهم من معرفة الله, وغمرت بمحبته وخشيته وإجلاله ومراقبته, فسرت المحبة في أجزائهم فلم يبق فيها عرق ولا مفصل إلا وقد دخله الحب.

فإذا وضع أحدهم جنبه على مضجعه صعدت أنفاسه إلى إلهه ومولاه, واجتمع همه عليه, متذكرًا صفاته العلى وأسمائه الحسنى, مشاهدًا له في أسمائه, وقد تجلت على قلبه أنوارها, فانصبغ قلبهُ بمعرفته ومحبته, فبات جسمه على فراشه يتجافى عن مضجعه, وقلبه قد أوى إلى مولاه وحبيبه فآواه إليه, وأسجده بين يديه خاضعًا خاشعًا ذليلًا منكسرًا من كل جهه من جهاته, فيا لها سجدةً ما أشرفَها من سجدة, لا يرفع رأسه منها إلى يوم اللقاء.

وقيل لبعض السلف: أيسجد القلب بين يدي ربه؟ , قال: إي واللهِ, بسجدةٍ لا يرفع رأسه منها إلى يوم القيامة, فشتان بين قلب يبيت ربه قد قطع في سفره إليه بيداء الأكوان, وخرق حُجُبَ الطبيعة, ولم يقف عند رسم, ولا سكن إلى علم, حتى دخل على ربه في داره, فشاهد عِزَّ سلطانه وعظمة جلاله وعلو شأنه وبهاء كماله. فإذا صارت صفات ربه وأسماؤه مشهدًا لقلبه أَنْسَتْهُ ذِكرَ غيره, وشغلته عن حب من سواه.

وبالجملة: فيبقى قلب العبد -الذي هذا شأنه- عرشًا للمثل الأعلى -أي

<<  <   >  >>