وأما فرحته عند لقاء ربه فبما يجده عند الله من ثواب الصيام مُدَّخَرًا، فيجده أحوج ما كان إليه، كما قال الله تعالى:{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}[المزمل: ٢٠]، وقال تعالى:{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا}[آل عمران: ٣٠]، وقال سبحانه:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}[الزلزلة: ٧]. ومن أهم مميزات الصيام أنه لا يحبط بالقصاص في أداء مظالم العباد.
قال سفيان بن عيينة -رحمه الله: فإذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله حتى لا يبقى إلا الصوم، فيتحمل الله عز وجل ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة.
الصيام لله عَزَّ وَجَلَّ، فلا سبيل لأحد إلى أَخْذِ أجرِك من الصيام، بل أَجرُك مُدَّخَر لك عند الله عَزَّ وَجَلَّ، وحينئذ فقد يقال: إن سائر الأعمال قد يكفر بها ذنوب صاحبها، فلا يبقى لها أثر، فإنه روي أنه يوازن يوم القيامة بين الحسنات والسيئات ويقتص بعضها من بعض، فإن بقي من الحسنات حسنة دخل بها صاحبها إلى الجنة، فيحتمل أن يق الذي الصوم: إنه لا يسقط ثوابه بمقاصة ولا غيرها، بل يوفر أجره لصاحبه حتى يدخل الجنة فيوفى أجره فيها. قال سبحانه:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر: ١٠].
السادس عشر: رمضان شهر التقوى: قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد": "لما كان المقصودُ من الصيام حبسَ النفس عن الشهوات، وفطامَها عن المألوفات، وتعديلَ قوتها الشهوانية لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية، ويكسر الجوع والظمأ من حِدَّتها وسَوْرتها، ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين، وتضييق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، وتحُبْسَ قوى الأعضاء عن