ليالي العشر؛ لأن العارفين يجتهدون في الأعمال، ثم لا يرون لأنفسهم عملًا صالحًا ولا حالًا ولا مقالًا، فيرجعون إلى سؤال العفو كحال المذنب المقصر، قال يبيح بن معاذ: ليس بعارف من لم يجعل غاية أمله من الله العفو.
كان مُطَرِّفُ يقول في دعائه: اللَّهم ارض عنا، فإن لم ترض عنا فاعف عنا، من عظمت ذنوبه في نفسه لم يطمع في الرضا، وكان غاية أمله أن يطمع في العفو، ومن كملت معرفته لم يرَ نفسه إلا في هذه المنزلة.
رابعا: بذل أقصى حدِّ في الاجتهاد:
في صحيح مسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت:"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره".
أخي الحبيب، ينبغى أن يكون الاجتهاد في أوأخر الشهر أكثر من أوله لشيئين:
أحدهما: لشرف هذه العشر، وطلب ليلة القدر.
والثاني: لوداع شهرٍ لا يدرى هل يلقى مثله أم لا.
وقد يحصل من بعض الناس العكس، أنك تجد في أول رمضان شيئًا من النشاط والهمة في العمل، ثم يصاب بالفتور بعد ذلك، أو ينشغل بتفاهات تشغله عن إكمال الشهر كما ينبغي.
رغم أن المفروض هو العكس لو كان للعمل ثمرة؛ فإنه كلما زاد من الطاعات والعبادات التي يؤديها كل يوم في رمضان يترقى درجة إن كان من المقبولين، فتزداد طاعاته وقرباته في اليوم التالي حتى يصل إلى أقصى علو همة عند نهاية الشهر، كما كان هذا شأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فإنه كما مر معنا كان - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر شدَّ المِئْزَر, وأيقظ أهله, وأحيا الليل كُلَّه.