للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ذُكر عن بعض السلف أنه حين أتاه الموت وفي سياق السكرات، كان يقوم ويقعد -يعني يصلي- فقيل له: في مثل هذه الحال؟، أرح نفسك، فقال: إن الخيل إذا بلغت إلى رأس مجراها، أخرجت أقصى ما عندها، وأنا أسابق بأنفاسي، فأنت الآن -أيها الحبيب- تسابق الساعات، فرمضان على وشك الانتهاء، فابذل أقصى ما تستطيع، ولتمضِ هذه الأيام العشر إن مضت بغير أكل ولا شرب ولا نوم وليكن ما يكون.

قيل لبعض السلف: لا تبكِ، فإنك إن بكيت عميت، قال: ذلك لعيني شهادة، فبكى حتى عمي، افهم ما قصدتُ الإشارة إليه، وارغب فيما عند الله، واستعن بالله.

خامسًا: إياك والعجب والغرور:

عن أبي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يقولن أحدكم: صُمْتُ رمضانَ كُلَّه، ولا قمتُ رمضانَ كُلَّه" (١)، فلا أدري أكره التزكية أم لا بد من غفلة.

أخي الحبيب، إياك والأمراض القلبية؛ إنما شرع الصيام والقيام وتلك الأعمال التي أديتها في رمضان لتزكية النفس وإصلاح القلب؛ ولكن هناك بعض الأمراض المستوطنة التي يصعب اقتلاعها بسهولة، منها هذا الداء الدفين والمرض الخبيث: العجب ورؤية النفس.

قال ابن القيم -عليه رحمة الله: بين العمل وبين القلب مسافة، وفي تلك المسافة قُطَّاع طرق تقطع الطريق على العمل أن يصل إلى القلب، فتجدُ الرجلَ كثيرَ الصلاة كثيرَ الصيام، كثيرَ الذكرِ وتلاوةِ القرآن ولم يَصِلْ إلى قلبه من عملهِ شيء، لا خوف، ولا رجاء، ولا محبة. ولا يقين، ولا رضا، وقد تستولي


(١) أخرجه أبو داود (٢٤١٥)، وضعفه الألباني (٢٠٦٢) في "ضعيف أبي داود".

<<  <   >  >>