النفس على العمل الصالح فتصيِّره جندًا لها فتصول به وتطغى، فترى الرجلَ أعبدَ ما يكون، أزهدَ ما يكون، وهو عنِ اللهِ أبعدُ ما يكون.
الشاهد من هذا الكلام أن النفس قد تستولي على العمل الصالح فتصول به وتطغى فاحذر من ذلك، أن تستولي نفسك على مشاق الأعمال في رمضان، من صيام وقيام وقرآن وذكر واعتكاف وغيرها، وتصول بها على سبيل الفخر، وتنتفخ بها بالزهو والتعالي على الآخرين، فتخسر كل ذلك، وتفقد ثواب العمل، ونتيجة العمل، فالحذرَ الحذر.
إن من علامات القبول أن يزداد الإنسان انكسارًا وذُلًّا وخضوعًا للرب جل جلاله .. فازدد ذُلًّا؛ تزدد قُربًا.
عبادَ الله .. إن شهر رمضان قد عزم على الرحيل، ولم يبق منه إلا القليل، فمن منكم أحسن فعليه بالتمام، ومن فرط فيه فعليه بالحسن والعمل بالختام، اغتنموا منه ما بقي من الليالي اليسيرة والأيام، واستودعوه عملًا صالحًا يشهد لكم عند الملك العلام، وودعوه عند فراقه بأزكى تحيةٍ وسلام.
إخوتاه .. قلوبُ المتقين إلى هذا الشهر تحِنّ، ومن ألم فراقه تئِنّ، كيف لا تجري للمؤمن على فراقه دموع، وهو لا يدري هل بقي له في عمره إليه رجوع.
يا حسرةَ مَنْ فاته الخيرُ في رمضان، كم نُصِحَ المسكين فما قبل النصح، كم دُعِيَ إلى المصالحة فما أجاب إلى الصلح، كم شاهد الواصلين فيه وهو متباعد، كم مرت به زُمَرُ السائرين وهو قاعد، حتى إذا ضاق به الوقت، وخاف المَقْت ندم على التفريط حيث لا ينفع الندم، وطلب الاستدراك في وقت العدم.