فهذا قول الكليم .. كليم الله -عز وجل- .. وهو قول العارف بفضل الله المقر بإحسانه، قال: يا رب، إن أنا صليت فمن قِبلك، لا من سعي نفسي، ولا من تحصيلها، فلو وُكِلْتُ إلى نفسي، ولو وُكِلَتْ النفسُ إلى ما فيها؛ لما كان من العبد إلا العجز والتقصير، والتواني والذنب، والخطيئة والسيئات.
يا رب .. إن أنا صليتُ فمن قِبلك، وإن أنا تصدقتُ فمن قِبلك؛ فكذلك ليس المال من تحصيلي؛ بل هو من رزقك وفضلك وعطائك، ولو شئتَ لم أكتسب شيئاً من ذلك المال، وقد أُحضرت الأنفس الشُّح، وجُبلت على الإمساك والبخل، فلولا أن تجود عليَّ بمباعدة شُحِّ نفسي؛ ما كان مني صدقة ولا إنفاق.
فيا رب، إن أنا تصدقت فمن قِبلك، فليس لي من ذلك العمل أيُّ شيء أنسبه لنفسي.
ويا رب، إن أنا بلغتُ رسالاتك فمن قِبلك، فليس ذلك البيان، ولا الشفقة على المكلفين، ولا الإعانة على البلاغ، ولا إيصال ذلك إلى قلوب المكلفين، ولا حركة المكلفين بموجب ذلك، وليس شيءٌ من ذلك من سعي العبد ولا من تحصيله؛ بل كل ذلك بفضل الله -عز وجل- وإحسانه.
وإن أنا بلغت رسالاتك فمن قبلك؛ فكيف أشكرك؟
فلو كانت الصلاة شكرًا، فما هي من سعيي، والشكر فعل ينسب إلى العبد لا إلى صاحب الإنعام والإكرام.
وإن كانت الصدقة شكرًا، فهي كذلك من فضلك؛ فليس ينسب إلى العبد شيء من ذلك.
وإن كان البيان عن الله والبلاغ لرسالته شكرًا؛ فهو كذلك من الله -عز وجل- لا من المخلوقين.