ذهبت حيل السعاة في شكر الله، وعجزوا عن شكر الله -عز وجل- على نعمه، فأصبح إقرارهم بالعجز هو إعلانهم بالشكر لله -عز وجل- على نعمائه.
فكان جواب الكريم للكليم: الآن شكرتني.
إقرارك بعجزك عن الشكر هو حقيقة ذلك الشكر، فإن شكر نعمة الله -عز وجل- يكون بنعمةٍ أخرى من الله -عز وجل- وفضلٍ وإحسان، يستوجب شكرًا آخر، حتى يكون الشكر الآخر نعمةً أخرى تستوجب شكرًا آخر، وهكذا.
فيُفضي الحال إلى الإقرار بالعجز، والإعلان بالقصور، وأن شكر نعمة الله -عز وجل- هو الإعلان بالعجز عن شكره.
ثانيًا: شهود مِنَّةِ الله:
فليت شِعري مَنْ هذا المقبول فنهنيه، على فضل الله الذي آتاه، وأن ذلك يقتضي الإعلان بشكر نعمة الله، والإعلان بالعجز عن القيام بذلك، وأن ذلك يقتضي مع تلك التهنئة الالتفات للعمل والنظر إليه، حتى يشهد منة الله عز وجل فيما كان، وحتى يرى تقصير نفسه في كل عبادة يرى فيها أوجه عجزه وأبواب قصوره وضعفه وتوانيه وتباطئه مع فضل الله -عز وجل- السابق، وإحسان الله تعالى الغالب عليه.
ثالثَا: مطالعةُ عيبِ النفسِ والعمل:
وتهنئة المقبولين تعني التفاتًا إلى نعمة رب العالمين، وتعني رجوعًا إلى هذه الأعمال التي كانت، بالنظر إليها، والتفتيش في أوجه القصور والنقص فيها، وأنه كان ينبغي أن تكون هذه الأعمال أفضل مما تأدت، وأن حق الله -عز وجل- أعظم من ذلك، وأن حق خطايا هؤلاء المقبولين وسيئاتهم يقتضي عملًا أكثر، فما يُزيل أدرانَ قلوبهم أضعاف أضعاف ما قدموا؛ بل إن هذه السيئات والعيوب