للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عبارة أبي العلاء ((زحاف يكره)) عبارة مهمة، فكأنه بها ينزه أبا تمام الشاعر الفحل أن يأتي بمثل هذا الزحاف النادر، وكأنه من طرف خفي يريد أن يقول إن ((استمتاع القارئ أو السامع بالعمل الشعري وتقديره إياه، أن يشعر من خلاله بقدرة الشاعر على تشكيل مادته وتوجيهها وجهة معينة تبعا لإرادته، فالإبداع الشعري صورة من صور الإرادة الإنسانية وقدرتها على التأثير. والنسق نظام، ولابد من إرادة وراء كل نظام، والشعور بإرادة الشاعر وقدرته من أسباب المتعة التي يبعثها النسق الشعري في نفس المتلقي)) (١).

وجدير بالذكر أن الخليل وآخرون من العروضيين قاموا بتصنيف الزحافات إلى حسن وصالح وقبيح. وقد اتفقوا على استقباح الزحافات المزدوجة ((وذلك لخروجها الحاد على النسق)) (٢). أما الزحافات المفردة فـ ((أكثرها ـ في تصنيفاتهم ـ إما حسن وإما صالح، وقليل منها وصف القبح)) (٣) مثل الوقص كما قال أبو العلاء.

وننبه أن الحكم على الزحاف ((لا يكون مطلقا، فثمة عوامل تؤثر في وضوحه أو خفائه (...) [وأنه] قد يكون مقبولا إذا أحسسنا أنه يقوم بوظيفة تعبيرية)) (٤).

ـ وقال أبوالعلاء عند قول أبي تمام:

صَمّاءُ سَمُّ العِدى في جَنبِها ضَرَبٌ ... وَشُربُ كاسِ الرَدى في فَمِّها شُهُدُ [بحر البسيط]

((... إن رويت ((في فَمِها))، بالتخفيف، صار في البيت زحاف، وقلما يستعمل الشعراء مَثْلَه، وهوعندهم جائز، وإن شددت الميم بَطَلَ الزحاف؛ إلا أن التخفيف أجزل في اللفظ (٥))) (٦).


(١) د. على يونس: نطرة جديدة في موسيقى الشعر، ص ١٩٢، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٩٣م
(٢) د. على يونس: نطرة جديدة في موسيقى الشعر، ص ١٩٢
(٣) السابق: ص ١٩٢
(٤) السابق: ص ١٩٧
(٥) وقال التبريزي عن بحر القصيدة: البسيط، والقافية متراكب.
(٦) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [٤/ ٧٦ب١٠].

<<  <   >  >>