للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثراء على الحقيقة , وذلك أن الثرى ـ وهو الندى ـ من تركيب: ث ر ي؛ لقولهم: التقى الثريان. وأما الثراء ـ لكثرة المال ـ فمن تركيب: ث ر و؛ لأنه من الثروة، ومنه الثريّا؛ لأنها من الثروة لكثرة كواكبها مع صغر مرآتها, فكأنها كثيرة العدد بالإضافة إلى ضيق المحل. ومنه قولهم: ثَرَوْنا بني فلان, نثروهم ثروة , إذا كنا أكثر منهم. فاللفظان ـ كما ترى ـ مختلفان, فلا تجنيس إذًا إلّا للظاهر)) (١).

إلا أن هذا كان عنده على سبيل التنبيه، أما أبو العلاء فقد استغل هذا الأمر لإثراء معنى البيت.

****

ج ـ توجيه ألفاظ البيت إعرابيا بكل الأوجه الممكنة:

عمل أبو العلاء على توجيه ألفاظ الأبيات التي يشرحها أعرابيا بكل الأوجه الممكنة إن تيسر له ذلك، مكتفيا به وسيلة للشرح، ولاشك أنه في ذلك يوافق النحويين والبلاغيين أيضا على أن النحو ((العامل الأساسي في تأدية أصل المعنى)) (٢).

وإذا كان الإعراب على أواخر ألفاظ اللغة ((لإبانة معانيها)) (٣)، وليكون ((فارقا في بعض الأحوال بين الكلامين المتكافئين والمعنيين المختلفين)) (٤)، فإن كل توجيه إعرابي لابد أن يحمل معه معنى يختلف عن الآخر، وفي هذا ولاشك إثراء لمعنى البيت.

وقد استغل أبوالعلاء الإمكانات النحوية والأوجه الإعرابية المختلفة والممكنة في إثراء معنى البيت، وقد استغل هذه الإمكانات في ٢٩ موضعا، نذكر منها على سبيل المثال التالي:


(١) الخصائص: ٢/ ٤٩
(٢) د. محمد عبد المطلب: البلاغة والأسلوبية، ص ٢٩٦
(٣) شرح المفصل لابن يعيش: ١/ ٥٥، تحقيق: إميل بديع يعقوب، ط١، ٢٠٠١، دار الكتب العلمية / بيروت
(٤) ابن قتيبة: تأويل مشكل القرآن، ص١٤، ط٢، دار التراث ١٩٧٣م

<<  <   >  >>