للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وننتقل الآن إلى العنصر التالي (١).


(١) وقبل أن ننتقل بالحديث إلى جزئية أخرى من البحث نحب أن نشير إلى ما يمكن تسميته بالإثراء الدلالي عند أبي العلاء:
فأبوالعلاء لم يكن يتتبع فقط الأصل الدلالي والتطور اللغوي، بل يقترح أيضا استعمالات دلالية جديدة، إثراء للمعاني والألفاظ. ندلل على ما نقول بما يلي:
ـ يقول أبوالعلاء: ((والدهاريس: تستعمل في الدواهي، ويجوز أن تنقل الدهاريس إلى صفات الإبل والناس؛ لأنه يراد صفتها بالصبر والجرأة على السير، كما يقال للرجل إذا نُعِت بالفطنة والنكارة إنه داهية)) [٢/ ٢٥٦ ب٧]
ـ وقال أيضا: ((الإقراب: أكثر ما يستعمل في الإناث، يقال: فرس مقربة؛ تُشَدُّ قريبا من بيت مالكها؛ لأنه يخاف أن ينزوعليها فحل لئيم. وربما استعمل ذلك في الذكور، وقياس كلامهم يوجب أن كل فرس يجوز أن يوصف بمقرب؛ لأن من شأنهم أن يقربوه)). [٢/ ٤٠٩ ب٧].

ـ وقال: ((الصامت: من المال ما كان من فضة أوذهب، ويجوز أن يعني به كل ما لا ينطق، إلا أن أعرف ما يستعمل في الذهب والورق)) [١/ ٣٢١].
ـ وقال: ((والقبيلة عندهم من أب واحد، والقبيل: الجماعة من الناس، ويجوز أن يكونوا من آباء متفرقين، وإذا جُعِل الكلام على الاستعارة جاز أن يوضع كل واحد منها في موضع الآخر)) [٣/ ٧١ ب٢٣].
والمتأمل في هذه النصوص يجد فيها دعوة للإثراء الدلالي، بل يكاد الباحث أن يقول إن فيها بذورا وإرهاصاتٍ لما يعرف حديثا بنظرية التحليل التكويني Componential Analysis [وهي نظرية تهدف إلى التحليل التكويني أوالمكوناتي للكلمة بوصفها وسيلة أوتقنية إلى تحديد البنية الداخلية للكلمة والمتمثلة في العناصر أوالمكونات الدلالية Semantic components المميزة للكلمة، والتي يمكن استنباطها من وجودها في عدة سياقات، (ينظر: علم الدلالة: د. أحمد مختار عمر، ص: ١١٤، وما بعدها. والتحليل الدلالي.: د. كريم زكي حسام الدين ١/ ١٠٣ وما بعدها).]، وتزداد هذه الإرهاصات وضوحا إذا ضممنا لها النصوص التي تضم تعميمات دلالية قالها أبوالعلاء:
· ... أنف كل شيء أوله [٢/ ٢٥٠].
· ... سَرَعان كل شيء أوله [٢/ ٤٢٣].
· ... كل من ضرب برجله الأرض أوغيرها فهوراكض [٣/ ١٠].
· ... كل صوت دقيق يقال له صريف [٢/ ٣٨٦].
· ... وقد يمكن أن يسمى كل مقام معرسا [١/ ٢٤].
وإذا أضفنا إلى ما سبق حرص أبي العلاء على إبراز الفروق الدلالية الدقيقة بين الكلمات تزداد هذه البذور وضوحا، ومن ذلك:
· ... شزرا: من قولهم: نظر إليه شزرا؛ إذا أحدَّ إليه بمؤخرة عينه، وهونظر الغضبان [١/ ٣٨٠]
· ... الظهور: جمع ظهر من الأرض وهوما ظهر منها، والبطون جمع بطن، وإذا كانت الأرض غير مسكونة فظهورها ما ارتفع منها وبطونها ما كان واديا أووهدا، وإذا كانت مسكونة فظهورها ما ظهر من جدرانها، وبطونها ما بطن من الدور والبيوت [٢/ ٢٦٥].
· ... الوَكَّاف: من المطر الذي يدوم، إلا أنه يس بشديد كالوبل [٣/ ١٣].

<<  <   >  >>