للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الأمور التي أشار إليها اللغويون ـ وتعد سببا في التطور الدلالي للفظة ـ ((كثرة الاستعمال))، وكثرة دوران اللفظة في الحديث؛ فإننا ((نلاحظ أن معنى الكلمة يزيد تعرضا للتغير كلما زاد استعمالها، وكثر ورودها في نصوص مختلفة؛ لأن الذهن في الواقع يُوجَّه في كل مرة في اتجاهات جديدة، وذلك يوحي إليها بخلق معان جديدة؛ ومن هنا ينتج ما يسمى بـ ((التأقلم))، ويجب أن يفهم من هذا الاسم قدرة الكلمات على اتخاذ دلالات متنوعة؛ تبعا للاستعمالات المختلفة التي تستعمل فيها، وعلى البقاء في اللغة مع هذه الدلالات)) (١).

وقد كان التبريزي ـ في أحيان كثيرة ـ يشير إلى التطور الدلالي للكلمة قيد الشرح، وينص صراحة على أن السبب هو ((كثرة الاستعمال)) مستخدما نفس المصطلح، وإليك الأمثلة:

ـ قال أبوتمام:

لَحظَ الأَسيرِ حَلَقاتِ كَبلِهِ ... حَتّى كَأَنّي جِئتُهُ بِعَزلِهِ [بحر الرجز]

((... أصل ((الأسر)) أن يشد الرجل بالقد، ثم كثر ذلك حتى سمي ((الأخيذ)) أسيرا، وإن لم يشدد بالقد)) (٢).

ـ وقال عند قول أبي تمام:

مَقاماتُنا وَقفٌ عَلى الحِلمِ وَالحِجى ... فَأَمرَدُنا كَهلٌ وَأَشيَبُنا حَبرُ [بحر الطويل]

((.. ((المقامات)) جمع مقامة، ولا يمتنع أن يكون جمع مقام، وأصل ذلك: الموضع الذي يقومُ فيه القائم لخطبة أوفصل أمر، ثم كثر ذلك حتى سموا العشيرة مقامة؛ لأنهم يُقامُ فيهم)) (٣).

ـ وقال عند قول أبي تمام:


(١) د. رمضان عبد التواب: التطور اللغوي، مظاهره وعلله وقوانينه، ص ١١٣.
(٢) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [٤/ ٥٣٢ب١٦].
(٣) يُنْظَرُ ديوان أبي تمام بشرح التبريزي: [٤/ ٥٧٣ب٢٢].

<<  <   >  >>