للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تحامل كثيرون على التبريزي واتهمه بعض الباحثين أنه بلا مذهب نحوي معين. فها هو الدكتور فخر الدين قباوة لم يجد بين يديه ما يعين على تحديد مذهبه، ويرى أن هذا راجع إليه ((فهو في مصنفاته لم يبد ما يشجع على الجزم في مثل هذا الموضوع؛ لأنه كان ينقل أقوال أسلافه وأحكامهم برمتها؛ فتطغى شخصياتهم المذهبية على شخصيته، ولا تبقى لها حدود متميزة واضحة المعالم. ولما كانت تلك الأقوال منقولة عن علماء مختلفي النزعات والمذاهب فقد لبث التبريزي في مصنفاته متنقلا بين وجهات من النظر متعددة، ولهذا نراه أحيانا مع مذهب البصريين وحينا مع مذهب الكوفيين، وآونة مع مدرسة بغداد، وطورا مع جميع المذاهب)) (١).

هذا الاعتراض من قبل د. فخر الدين قباوة ويؤيده في هذا د. سليمان الشطي، ود. أحمد جمال العمري اعتراض يقبل المناقشة، وأرى فيه تحاملا على التبريزي. فعدم تحديد مذهب نحوي معين أمر ليس التبريزي بدعا فيه دون غيره، فقد سبقه أستاذه أبو العلاء في ذلك، وسبقهما ابن جني كما أثبتنا من قبل.

كما أن النص السابق يخلط كثيرا من الأوراق ببعضها؛ فمن المعروف أن المدرسة البغدادية تقوم على الانتخاب من المدرسة البصرية والكوفية ولم تكن المدرسة البغدادية مدرسة مستقلة.

وفوق كل هذا نجد للتبريزي في ثنايا شرحه ما يدل على قبوله لآراء معينة ودفعه لآراء أخرى، ومثال ذلك قول التبريزي عند قول أبي تمام:

وَبَيَّتَّ البَياتَ بِعَقدِ جَأشٍ ... أَشَدَّ قُوًى مِنَ الحَجَرِ الصَّلودِ [بحر الوافر]

((... ومن روى: ((أَمَرَّ قوًى)): فالمعنى أشدَّ إمرارًا؛ أي: فتلا، و ((أَشَدّ قُوًى)) أجود الروايتين؛ لأن المعروف أمررت الحبل بالهمز، وهم يجتنبون أن يبنى فعل


(١) شرح القصائد التسع المشهورات: ٢/ ٦٨١، نقلا عن: د. سليمان الشطي: المعلقات وعيون العصور، ص١٠٥، عالم المعرفة، ع ٣٨٠، سبتمبر ٢٠١١م، الكويت.

<<  <   >  >>