(١) أن هذا يعني: أن المقالة لم تؤثر في الحكم بالكفر عليهم وهذا خلاف نص القرآن "لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ".
(٢) أن القرآن (والعياذ بالله من ذلك) ربط الحكم بغير مؤثر وغفل عن ذكر المؤثر الحقيقي.
(٣) من المعلوم بالاضطرار من الشريعة أن الوحي لا دخل له في إجراء الأحكام حتى لا يشوش على الخواطر، وإنما أساس هذا هو الظاهر من الأقوال والأعمال.
(٤) وقوله تعالى: (قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ). فهذا الإيمان إما أن يكون الإيمان في الباطن وإما أن يكون الإيمان في الظاهر فقط. وعلى الاحتمالين يتم الاستدلال فإن القوم كانوا من قبل يعاملون معاملة المسلمين ثم كفروا بعد إيمانهم بهذا المقال الخبيث. فإن كان القوم كفاراً من قبل هذا فلم أخّر الشرع الحكم عليهم بالكفر إلى هذا الوقت؟ ولم رتب الحكم على وصف غير مؤثر فيه؟ ولم اعتذر القوم من هذا المقال وهم لم يكفروا بسببه؟
ولا خروج من هذا إلا بفهم السلف الصالح أنهم كفروا بعد إيمانهم بهذا المقال الخبيث ويكون هذا الحكم عاماً مطرداً في كل من اقترف فعلهم سواء أكان الإيمان المذكور في الآية هو الإيمان الظاهري مع خلو القلب منه، أو أنه الإيمان في الظاهر والباطن وهذا الذي يحمل لواءه الإمام ابن تيمية: أن القوم كان لديهم من قبل هذا إيمان ضعيف وقالوا هذا المقالة من غير اعتقاد لها، جاهلين بأنها تكفرهم، عالمين بحرمتها، ظانين أن الخوض واللعب لا يقع به الكفر ولا يكون إلا مع الجد من القول، وأن الخوض واللعب عارض يمنع وقوع الكفر كالإكراه. والشرع لم يكذبهم في ادعائهم الخوض واللعب كما كذب المنافقين في كل ادعاءاتهم الكاذبة فعلم صدق ادعائهم الخوض واللعب دون الجد والقصد.
ولكن أخبرهم الشرع أنهم -بهذه الحالة من القول مع الخوض واللعب- كفروا به بعد إيمانهم ولم يعتبر جهلهم وعدم قصدهم الكفر فانتبه.
وفي هذا الحذر كل الحذر الشديد للمسلم الجاد في دينه أن يقول الكلمة لا يلقى لها بالاً فتهوى به في جهنم والعياذ بالله من ذلك، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المبلغ الأمين الحريص على الأمة حينما حذرها في الحديث الصحيح "هل يكب الناس على وجوههم