للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: التزام أحكام الإسلام شرط في قبوله]

وقال: ويعلم أنه لو قدر أن قوماً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: نحن نؤمن بما جئتنا به بقلوبنا من غير شك، ونقر بألسنتنا بالشهادتين، إلا أنا لا نطيعك في شيء مما أمرت به ونهيت عنه، فلا نصلي، ولا نصوم، ولا نحج، ولا نصدق الحديث، ولا نؤدي الأمانة، ولا نفي بالعهد، ولا نصل الرحم، ولا نفعل شيئاً من الخير الذي أمرت به، ونشرب الخمر، وننكح ذوات المحارم بالزنا الظاهر، ونقتل من قدرنا عليه من أصحابك وأمتك، ونأخذ أموالهم، بل نقتلك أيضاً ونقاتلك مع أعدائك. هل كان يتوهم عاقل أن النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول لهم: أنتم مؤمنون كاملوا الإيمان وأنتم من أهل شفاعتي يوم القيامة، ويرجى لكم أن لا يدخل أحد منكم النار، بل كل مسلم يعلم بالاضطرار أنه يقول لهم: أنتم أكفر الناس بما جئت به ويضرب رقابهم إن لم يتوبوا من ذلك (١) اهـ.

وقال: وأيضاً فقد جاء نفر من اليهود إلى النبي فقالوا: نشهد إنك لرسول الله ولم يكونوا مسلمين بذلك، لأنهم قالوا ذلك على سبيل الإخبار عما في أنفسهم أي: نعلم ونجزم أنك رسول الله. قال: فلم لا تتبعوني؟ قالوا: نخاف من يهود.

فعلم أن مجرد العلم والإخبار عنه ليس بإيمان حتى يتكلم بالإيمان على وجه الإنشاء المتضمن للالتزام والانقياد مع تضمن ذلك الإخبار عما في أنفسهم، فالمنافقون قالوا مخبرين كاذبين فكانوا كفاراً في الباطن وهؤلاء قالوا غير ملتزمين ولا منقادين فكانوا كفاراً في الظاهر والباطن (٢). اهـ.

وقال ابن القيم في هذا الحديث وفيها أن إقرار الكاهن الكتابي لرسول الله بأنه نبي لم يدخله في الإسلام ما لم يلتزم طاعته ومتابعته فإذا تمسك بدينه بعد هذا الإقرار لا يكون ردة منه ونظير هذا قول الحبرين ... قالا نشهد إنك نبي. قال: فما يمنعكما من اتباعي، قالا: نخاف أن تقتلنا اليهود. ولم يلزمهما بذلك الإسلام، ومن تأمل ما في السير والأخبار الثابتة من شهادة كثير من أهل الكتاب والمشركين له صلى الله عليه وسلم بالرسالة وأنه صادق فلم تدخلهم هذه الشهادة في الإسلام علم أن الإسلام أُمر وراء ذلك. وأنه ليس هو المعرفة فقط ولا المعرفة والإقرار


(١) جـ: ٧ ص: ٢٨٧ لمجموع الفتاوى.
(٢) جـ: ٧ ص: ٥٦١ لمجموع الفتاوى.

<<  <   >  >>