للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الرابع: التوحيد بالقول والعمل شرط في تحقق النجاة]

وقال: وذلك أن الرجل لو أقر بما يستحق الرب من الصفات ونزهه عن كل ما ينزه عنه، وأقر بأنه وحده خالق كل شيء لم يكن موحداً بل ولا مؤمناً حتى يشهد: أن لا إله إلا الله، فيقر بأن الله وحده هو الإله المستحق للعبادة، ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له والإله هو بمعنى المألوه المعبود الذي يستحق العبادة (١) اهـ.

وقال والحاصل: أن توحيد الله والإيمان برسله واليوم الآخر أمور متلازمة مع العمل الصالح. فأهل هذا الإيمان والعمل الصالح: هم أهل السعادة من الأولين والآخرين والخارجون عن هذا الإيمان: مشركون أشقياء. فكل من كذّب الرسل فلن يكون إلا مشركاً، وكل مشرك مكذب للرسل. وكل مشرك وكافر بالرسل فهو كافر باليوم الآخر، وكل من كفر باليوم الآخر فهو كافر بالرسل (٢) اهـ.

وقال -رحمه الله- وهم (أي الفلاسفة) إذا ادعوا التوحيد فإنما توحيدهم بالقول لا بالعبادة والعمل والتوحيد الذي جاءت به الرسل لا بد فيه من التوحيد بإخلاص الدين لله وعبادته وحده لا شريك له وهذا شيء لا يعرفونه. والتوحيد الذي يدعونه: إنما هو تعطيل حقائق الأسماء والصفات، وفيه من الكفر والضلال ما هو من أعظم أسباب الإشراك. فلو كانوا موحدين بالقول والكلام: وهو أن يصفوا الله بما وصفته به رسله لكان معهم التوحيد دون العمل وذلك لا يكفي في السعادة والنجاة بل لا بد من أنه يعبد الله وحده ويتخذ إلهاً دون ما سواه وهو معنى قول "لا إله إلا الله" فكيف وهم في القول والكلام معطلون جاحدون لا موحدون ولا مخلصون؟ .... والقوم وإن كان لهم ذكاء وفطنة وفيهم زهد وأخلاق، فهذا القدر لا يوجب السعادة والنجاة من العذاب إلا بالأصول المتقدمة: من الإيمان بالله وتوحيده وإخلاص عبادته والإيمان برسله واليوم الآخر والعمل الصالح ... وأهل الرأي والعلم بمنزلة أهل الملل والإمارة وكل من هؤلاء وهؤلاء لا ينفعه ذلك شيئاً إلا أن يعبد الله وحده لا شريك له ويؤمن برسله وباليوم الآخر وهذه الأمور متلازمة فمن عبد الله وحده لزم أن يؤمن برسله ويؤمن


(١) موافقة صحيح المعقول لصريح المنقول بهامش منهاج السنة النبوية جـ: ١ ص: ١٣٣.
(٢) جـ: ٩ ص: ٣٢ لمجموع الفتاوى.

<<  <   >  >>