للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقرآن الذي يحصل به الفرقان حتى يشهد الإلهية التي تميِّز بين أهل التوحيد والشرك وبين ما يحبه الله وما يبغضه وبين ما أمر به الرسول وبين ما نهى عنه وإلا خرج عن دين الإسلام بحسب خروجه عن هذا، فإن الربوبية العامة قد أقر بها المشركون الذين قال الله فيهم: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ).

وإنما يصير الرجل مسلماً حنيفاً موحداً إذا شهد: أن لا إله إلا الله. فعبد الله وحده بحيث لا يشرك معه أحداً في تألهه ومحبته له وعبوديته وإنابته إليه وإسلامه له ودعائه له والتوكل عليه وموالاته فيه، ومعاداته فيه ومحبته ما يحب وبغضه ما يبغض ويفنى بحق التوحيد عن باطل الشرك وهذا فناء يقارنه البقاء فيفنى عن تأله ما سوى الله بتأله الله تحقيقاً لقول: لا إله إلا الله فينفي ويفنى من قلبه تأله ما سواه ويثبت ويبقى في قلبه تأله الله وحده، وقد قال النبي، صلى الله عليه وسلم، في الحديث الصحيح: "من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة". وفي الحديث الآخر: "من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة". وقال في الصحيح: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله". فإنها حقيقة دين الإسلام فمن مات عليها مات مسلماً (١) اهـ.

قلت: انظر: رحمك الله إلى قول الشيخ: وإنما يصير الرجل مسلماً حنيفاً موحداً إذا شهد أن لا إله إلا الله فعبده وحده بحيث لا يشرك معه أحداً في تألهه وهذا التعريف الجامع لحقيقة الإسلام متواتر ذكره في كتبه منها ما ذكر من قبل ومنها ما سيأتي ذكره بمشيئة الله -تعالى-.

وهذا من أدل الدلائل على عدم إعذار الشيخ بالجهل في أصل الأصول وهو التوحيد وترك الشرك لأن المشركين لا يدخلون عنده في مسمى المسلمين وأن الحنيف هو: الموحد التارك للشرك على عمد وبصيرة واستقام على الشريعة.

وهذا المعنى متواتر في نصوص الشريعة ومعلوم بالإضطرار من نصوص المفسرين وإليك الأدلة والبراهين على ذلك.

[المبحث الثالث: الحنيف التارك للشرك عن قصد وعلم]

قال -تعالى-: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). [آل عمران: ٦٧].

قال الطبري: "ولكن كان حنيفا": يعني: متبعاً أمر الله وطاعته مستقيماً على محجة


(١) جـ: ٨ ص: ٣٦٩ لمجموع الفتاوى.

<<  <   >  >>