لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة:
قلت: فهذا الحديث من أوله إلى آخره أين الشك من أمنا عائشة -رضي الله عنها-؟.
فقولها (مهما يكتم الناس يعلمه الله نعم) تقرير للعلم، وهو في الأصول كما قال النووي.
وهل لو كانت عائشة والعياذ بالله تشك في هذه الصورة الدقيقة فلم لم ينكر عليها النبي -صلى الله عليه وسلم-؟
فإن قيل: هذا لجهلها فالجواب:
أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنكر على من هم حدثاء عهد بإسلام إنكاراً شديداً في حديث ذات أنواط وشبّههم ببني إسرائيل في قولهم اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، وأنكر على من قال له (ما شاء الله وشئت فقال أجعلتني لله نداً قل ما شاء الله وحده) أو كما قال، صلى الله عليه وسلم، وما كان آفتهم التي أوقعتهم في هذا إلا الجهل.
فلم لم ينكر النبي، صلى الله عليه وسلم، على عائشة؟ وهي من تربت في بيت النبوة التي كان بيتها يتلى فيه آيات الكتاب والحكمة وهي مسلمة بفضل الله منذ العهد المكي وليست حديثة عهد بإسلام.
فالحديث ليس فيه أدنى لوم عليها مترتب على مقالتها التي صدقت فيها نفسها.
ومن المعلوم أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة بلا خلاف بين العلماء.
[المبحث الأول: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة]
قال ابن قدامة: ولا خلاف في أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة (١). ا. هـ.
وقال الشوكاني في تأخير البيان عن وقت الحاجة.
اعلم أن كل ما يحتاج إلى البيان من مجمل وعام ومجاز ومشترك وفعل متردد ومطلق إذا تأخر بيانه فذلك على وجهين: الأول: أن يتأخر عن وقت الحاجة، وهو: الوقت الذي إذا تأخر البيان عنه لم يتمكن المكلف من المعرفة لما تضمنه الخطاب وذلك في الواجبات الفورية لم يجز. لأن الاتيان بالشيء مع عدم العلم به ممتنع عند جميع القائلين بالمنع من تكليف ما لا
(١) روضة الناظر وجنة المناظر ص: ٩٦.