للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال لأهله انظروا إذا أنا مت أن يحرقوه حتى يدعوه حمما ثم اطحنوه ثم أذروه في يوم ريح فلما مات فعلوا ذلك به فإذا هو في قبضة الله فقال الله عز وجل يا ابن دم ما حملك على ما فعلت قال: أي ربي من مخافتك قال فغفر له بها ولم يعمل خيراً قط إلا التوحيد (١).

قال صاحب الأحاديث القدسية نقلاً عن القسطلاني في شرح الصحيح لم (يقدم عند الله خيراً) ليس: المراد نفي كل خير على العموم، بل نفي ما عدا: التوحيد ولذلك غفر له، وإلا فلو كان التوحيد منتفياً عنه، لتحتم عقابه سمعاً ولم يغفر له ... وليس ذلك شكاً منه في قدرة الله على إحيائه ولا إنكاراً للبعث وإلا لم يكن موقناً، وقد أظهر إيمانه بأنه إنما فعل ذلك من خشية الله -تعالى (٢) -. ا. هـ.

(١) فهذا الحديث خرج عن محل النزاع فهو ليس في قضية التوحيد التي هي أصل الأصول.

(٢) تأويل العلماء لهذا الحديث وصرفه عن معناه الظاهري لخير بيان أن ظاهر هذا الحديث غير مراد وأنه معارض لأصولهم الكلية، وهم ينزلون قضايا الأعيان على مقتضى القواعد الكلية.

فإن كان من أصوالهم: إعذار الجاهل لقالوا جميعاً: أن هذا الرجل جهل قدرة الله وكان جاهلاً وعذر بجهله وكفوا أنفسهم مؤنة التأويل! لأن التأويل عندهم شر لا يذهبون له إلا في حالة الضرورة عندما تصطدم قضية من قضايا الأعيان أو دليل جزئي مع القواعد والأصول الكلية.

[المبحث الثالث: التأويل دليل على مخالفة النص الجزئي لقاعدة كلية]

قال الشاطبي: فإذا ثبت بالاستقراء قاعدة كلية ثم أتى النص على جزئي يخالف القاعدة بوجه من وجوه المخالفة فلا بد من الجمع في النظر بينهما، لأن الشارع لم ينص على ذلك الجزئي إلا مع الخلط على تلك القواعد. إذ كلية هذا معلومة ضرورة بعد الإحاطة بمقاصد الشريعة فلا يمكن والحالة هذه أن تحرم القواعد بإلغاء ما اعتبره الشارع، وإذا ثبت هذا لم يمكن أن يعتبر الكلي ويلغى الجزئي (٣). ا. هـ.


(١) مسند الإمام أحمد جـ: ٢ ص: ٣٠٤ طبعة مؤسسة قرطبة.
(٢) الأحاديث القدسية جـ: ١ ص: ٩٠.
(٣) الموافقات جـ: ٣ ص: ١٠٩.

<<  <   >  >>