وقال الحافظ قال الخطابي: قد يستشكل هذا فيقال: كيف يغفر له وهو منكر للبعث والقدرة على إحياء الموتى؟ والجواب:
إنه لم ينكر البعث وإنما جهل فظن أنه إذا فعل به ذلك لا يعاد فلا يعذب. وقد ظهر إيمانه باعترافه بأنه إنما فعل ذلك من خشية الله.
قال ابن قتيبة: قد يغلط في بعض الصفات قوم من المسلمين فلا يكفرون بذلك. ورده ابن الجوزي وقال: جحده صفة القدرة كفر اتفاقاً وإنما قيل: إن معنى قوله: (لئن قدر الله عليّ). أي: ضيق وهي كقوله (وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ). أي: ضيق.
وأما قوله (لعلي أضل الله) فمعناه: لعلي أفوته يقال: ضل الشيء إذا فات وذهب وهو كقوله (لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى). ولعل هذا الرجل قال ذلك من شدة جزعه وخوفه كما غلط ذلك الآخر فقال:"أنت عبدي وأنا ربك" أو يكون قوله "لئن قدّر علي" بتشديد الدال أي: قدر علي أن يعذبني ليعذبني أو على أنه كان مثبتا للصانع وكان في زمن الفترة فلم تبلغه شرائط الإيمان.
وأظهر الأقوال أنه قال ذلك: في حال دهشته وغلبة الخوف عليه حتى ذهب بعقله لما يقول ولم يقله قاصداً لحقيقة معناه بل في حالة كان فيها كالغافل والذاهل والناسي الذي لا يؤاخذ بما يصدر منه وأبعد الأقوال قول من قال: إنه كان في شرعهم جواز المغفرة للكافر (١). ا. هـ.
قيام هذا الرجل بالتوحيد:
قلت: فهذه أقوال العلماء في تأويل هذا الحديث هل قال أحد منهم أنه جهل قدرة الله بالكلية في الإجمال والتفصيل وكان جاهلاً فعذر بجهله؟ هذه واحدة-.
الثانية أن هذا الحديث ليس في التوحيد وترك الشرك الذي هو أصل الدين ولكن في جهل الصفات لذلك أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وغير واحد عن الحسن وابن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان رجل ممن قبلكم لم يعمل خيراً قط إلا التوحيد فلما احتضر
(١) فتح الباري -كتاب أحاديث الأنبياء- جـ: ٦ ص: ٦٠٤.