مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام، لأن مضمون هذه المقالة الطعن: فيما نقلوه وتكذيب القرآن لكثير من آياته التي تثني عليهم وتمدحهم، وأن الشرع جعل الغيظ للصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- علامة على كفر صاحبه وهو وصف مشتق مناسب يصلح لأن يكون: علة الحكم ومن المعلوم أن الخوارج كفروا علياً ومعاوية ومن والاهما.
نخلص من هذا الحديث (أي: حديث الخوارج) كما قال إمام المفسرين على الإطلاق الإمام الطبري: فيه الرد على قول من قال لا يخرج أحد من الإسلام من أهل القبلة بعد استحقاقه حكمه إلا بقصد الخروج منه عالماً فإنه مبطل لقوله في الحديث: "يقولون الحق ويقرؤون القرآن ويمرقون من الإسلام ولا يتعلقون منه بشيء".
وكما قال الحافظ وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه ومن غير أن يختار ديناً على الإسلام وهو مبني على القول بتكفيرهم مطلقا.
وبهذا يعلم أن هذه القاعدة التي تحدث عنها الحافظ راسخة عند كل من رأى تكفيرهم، مع أن هذا لم يمس أصل الدين فما الحكم إذا كان يمس أصل الدين؟ وهل يجرؤ أحد أن يقول: أن الصحابي الجليل أبا سعيد الخدري وإمام المحدثين: البخاري وإمام المفسرين الطبري والقاضي أبا بكر بن العربي والسبكي والرافعي وغيرهم مبتدعون؟ لأنهم حكموا بكفر الخوارج ولم يعذروهم بالجهل والخطأ والتأويل.
[المبحث الرابع: فرق القدرية وحكمها.]
الدليل الثالث:(حديث القدرية):
أخرج مسلم في صحيحه عن يحيى بن يعمر قال:(كان أول من تكلم في القدر في البصرة معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب ... فقلت: يا أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف. قال فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم براء مني والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر)(ثم حدث بحديث جبريل).