[المبحث الثاني: اليقين والعمل بمقتضى الشهادة شرط في صحتها]
وقال صاحب فتح المجيد شارحاً معنى الشهادة: قوله: "من شهد أن لا إله إلا الله". أي: من تكلم بها عارفاً لمعناها عاملاً بمقتضاها باطناً وظاهراً. فلا بد في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولها كما قال -تعالى-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ).
وقوله:(إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه من البراءة من الشرك وإخلاص القول والعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، فغير نافع بالإجماع.
قال القرطبي في الفهم على صحيح مسلم:"باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين": بل لا بد من استيقان القلب -هذه الترجمة تدل على فساد مذهب غلاة المرجئة القائلين: بأن التلفظ بالشهادتين في الإيمان كاف لمن وقف عليها وأحاديث هذا الباب تدل على فساده، بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح وهو باطل قطعا.
وفي هذا الحديث ما يدل على هذا وهو قول:"من شهد" فإن الشهادة لا تصح إلا إذا كانت عن علم ويقين وإخلاص وصدق ... وقال الوزير أبو المظفر في الإفصاح: قوله: (شهادة أن لا إله إلا الله) يقتضي أن يكون: الشاهد عالماً بأنه: (لا إله إلا الله) كما قال -تعالى-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ). قال: واسم الله مرتفع بعد (إلا) من حيث أنه الواجب له الإلهية فلا يستحقها غيره -سبحانه-. قال: وجملة الفائدة في ذلك: أن تعلم أن هذه الكلمة مشتملة على الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، فإنك لما نفيت الإلهية وأثبت الإيجاب لله -سبحانه- كنت ممن كفر بالطاغوت وآمن بالله ... وقال ابن رجب:"الإله" هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالاً ومحبة وخوفاً ... فمن أشرك مخلوقاً في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحاً في إخلاصه في قول:(لا إله إلا الله) وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك.
وقال البقاعي:"لا إله إلا الله" أي انتفى انتفاء عظيماً أن يكون معبود بحق غير الملك الأعظم، فإن هذا العلم هو أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة، وإنما يكون علماً إذا كان نافعاً وإنما يكون نافعاً إذا كان مع الإذعان والعمل بما تقتضيه وإلا فهو جهل