للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإخلاص "وهم يعلمون" أن الله خلق عيسى وعزيراً والملائكة. وهذا مذهب قوم. منهم: مجاهد -إلى أن قال في ص: ٤٠٩: ٤١١ - وهذا يتناول: الشافع والمشفوع له، فلا يشفع إلا من شهد بالحق وهم يعلمون. فالملائكة والأنبياء والصالحون -وإن كانوا لا يملكون الشفاعة- لكن إذا أذن لهم الرب شفعوا. وهم لا يؤذن لهم إلا في الشفاعة للمؤمنين الذين يشهدون: أن لا إله إلا الله فيشهدون بالحق وهم يعلمون، لا يشفعون لمن قال: هذه الكلمة تقليداً للآباء والشيوخ كما جاء في الحديث الصحيح: "إن الرجل يُسأل في قبره ما تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: هو عبد الله ورسوله جاءنا بالبينات والهدى وأما المرتاب فيقول هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته". فلهذا قال: "إلا من شهد بالحق وهم يعلمون" وقد تقدم قول ابن عباس: يعني من قال لا إله إلا الله. يعني: خالصاً من قلبه. والأحاديث الصحيحة الواردة في الشفاعة كلها تبين: أن الشفاعة إنما تكون في أهل "لا إله إلا الله" اهـ.

وقال القرطبي: قوله: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له"، أي: أنطق بما أعلمه وأتحققه: وأصل الشهادة للإخبار عما شاهد المخبر بحسه ثم قد يقال: على ما يحققه الإنسان ويتقنه وإن لم يكن شاهداً للحس لأن المحقق علماً كالمدرك حساً ومشاهدة (١). اهـ.

وقال النووي تعليقاً على هذه الروايات: وفيه أن الإيمان شرطه الإقرار بالشهادتين مع اعتقادهما، واعتقاد جميع ما أتى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد جمع ذلك -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به" (٢). اهـ.

قلت: ومن المعلوم أن اعتقاد الشهادتين يسبقه العلم بمدلولهما -لأن الاعتقاد والتصور فرع العلم- إذ كيف يعتقد العبد اعتقاداً صحيحاً لشيء وهو جاهل بحقيقته؟!.

* * *


(١) المفهم شرح صحيح مسلم جـ: ١، أثناء شرح خطبة الحاجة للإمام مسلم.
(٢) صحيح مسلم بشرح النووي جـ: ١ ص: ٢١٢.

<<  <   >  >>