للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منك حين أخذت الميثاق فأبيت إذ أخرجتك إلى الدنيا إلا الشرك (١) اهـ.

فهذا بنص الحديث أن العهد أخذ على بني آدم في التوحيد وترك الشرك بالله في الألوهية والربوبية لعموم قوله: -أن لا تشرك بي- وفي هذا القدر الكفاية لدحض هذه الشبهة التي من استقرأ القرآن صدع له من أول وهلة بطلانها وزيفها.

وقبل أن أختم الحديث عن هذه الآية الكريمة أذكر وجه الجمع بينها وبين قوله -تعالى-: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً). لأن كثيراً من الإخوة الكرام قد يظن أن ثمّ تعارض بينهما.

[المبحث الثالث: الميثاق حجة في بطلان الشرك والعذاب عليه بعد الحجة الرسالية]

أقول وبالله تعالى التوفيق: أن الإشهاد الوارد في آية الميثاق هو حجة مستقلة على الناس في الشرك إلا أن المشرك لا يعذب في الدارين إلا بعد إقامة الحجة الرسالية.

فالآية قالت: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ). ولم تقل: وما كنا حاكمين بالشرك حتى نبعث رسولاً، بل إن السلف قد أجمعوا على أن من وقع في الشرك فهو مشرك (٢) في وجود الحجة الرسالية أو في غيبتها والخلاف بينهم هل يستحق المشرك بهذا العذاب وإن لم تقم حجة البلاغ؟ أم لا بد من قيام الحجة؟.

وأكبر دليل على ما سلف فهم السلف لهذه الآية التي بين أيدينا.

يقول الإمام الشنقيطي في قوله -تعالى-: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً). ظاهر هذه الآية: أن الله لا يعذب أحداً من خلقه لا في الدنيا ولا في الآخرة حتى يبعث إليه رسولاً ينذره ويحذره فيعصي ذلك الرسول ويستمر على الكفر والمعصية بعد الإنذار والإعذار وقد أوضح -جل وعلا- هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله تعالى: (رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ). (وأخذ يسرد الآيات في هذا المعنى) وهذه


(١) جـ: ١١ ص: ٤١١ كتاب الرفاق من فتح الباري.
(٢) قال إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: بل أهل الفترة الذين لم تبلغهم الرسالة والقرآن وماتوا على الجاهلية لا يسمون مسلمين بالإجماع، ولا يستغفر لهم، وإنما اختلف أهل العلم في تعذيبهم. اهـ. حكم تكفير المعين -الرسالة السادسة- من كتاب عقيدة الموحدين والرد على الضلال المبتدعين ص: ١٥١.

<<  <   >  >>