والثاني: أن قدر هنا بمعنى ضيق عليّ. قال الله -تعالى- (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) وهو أحد الأقوال في قوله تعالى (فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ).
وقالت طائفة: اللفظ على ظاهره ولكن قاله هذا الرجل وهو غير ضابط لكلامه ولا قاصد لحقيقة معناه ومعتقد لها بل قاله في حالة غلب عليه فيها الدهش والخوف وشدة الجزع بحيث ذهب تيقظه وتدبر ما يقوله فصار في معنى الغافل والناسي وهذه الحالة لا يؤاخذ فيها وهو نحو قول القائل الآخر الذي غلب عليه الفرح حين وجد راحلته "أنت عبدي وأنا ربك" فلم يكفر بذلك الدهش والغلبة والسهو.
وقد جاء في هذا الحديث في غير مسلم "فلعى أضل الله" أي: أغيب عنه وهذا يدل على أن قوله لئن قدر الله على ظاهره.
وقالت طائفة: هذا من مجاز كلام العرب وبديع استعمالها يسمونه مزج الشك باليقين كقوله تعالى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى). فصورته صورة الشك والمراد به اليقين.
وقالت طائفة: هذا الرجل جهل صفة من صفات الله -تعالى- وقد اختلف العلماء في تكفير جاهل الصفة.
قال القاضي: وممن كفره بذلك ابن جرير الطبري وقاله: أبو الحسن الأشعري أولاً.
وقال آخرون: لا يكفر بجهل الصفة ولا يخرج به عن اسم الإيمان بخلاف جحدها وإليه رجع: أبو الحسن الأشعري وعليه استقر قوله لأنه لم يعتقد ذلك اعتقاداً يقطع بصوابه ويراه ديناً وشرعاً، وإنما يكفر من اعتقد أن مقالته حق. قال هؤلاء: ولو سئل الناس عن الصفات لوجد العالم بها قليلاً.
وقالت طائفة: كان هذا الرجل في زمن فترة حين ينفع مجرد التوحيد ولا تكليف قبل ورود الشرع على المذهب الصحيح لقوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً).
وقالت طائفة: يجوز أنه كان في زمن شرعهم فيه جواز العفو عن الكافر بخلاف شرعنا وذلك من مجوزات العقول عند أهل السنة وإنما منعناه في شرعنا بالشرع وهو قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ). وغير ذلك من الأدلة والله أعلم (١). ا. هـ.