للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهضم حق الربوبية يكون متحنفاً أم مشركاً؟.

قال ابن تيمية: والضالون مستخفون بتوحيد الله -تعالى- يعظمون دعاء غيره من الأموات وإذا أمروا بالتوحيد ونهوا عن الشرك استخفوا به كما قال -تعالى-: (وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً). الآية. فاستهزءوا بالرسول، صلى الله عليه وسلم، لما نهاهم عن الشرك وما زال المشركون يسبون الأنبياء ويصفونهم بالسفاهة والضلال والجنون إذا دعوهم إلى التوحيد لما في أنفسهم من عظيم الشرك. وهكذا تجد من فيه شبه منهم إذا رأى من يدعو إلى التوحيد استهزأ بذلك لما عندهم من الشرك قال الله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ). فمن أحب مخلوقاً مثل ما يحب الله فهو مشرك، ويجب الفرق بين الحب في الله والحب مع الله. فهؤلاء الذين اتخذوا القبور أوثاناً تجدهم يستهزئون بما هو من توحيد الله وعبادته ويعظمون ما اتخذوه ما دون الله شفعاء ويحلف أحدهم اليمين الغموس كاذباً ولا يجترئ أن يحلف بشيخه كاذباً. وكثير من طوائف متعددة ترى أحدهم يرى أن استغاثته بالشيخ إما عند قبره أو غير قبره أنفع له من أن يدعو الله في المسجد عند السحر ويستهزئ بمن يعدل عن طريقته إلى التوحيد، وكثير منهم يخربون المساجد ويعمرون المشاهد فهل هذا إلا من استخفافهم بالله وآياته ورسوله وتعظيمهم للشرك. وإذا كان لهذا وقف ولهذا وقف كان وقف الشرك أعظم عنده مضاهات لمشركي العرب الذين ذكرهم الله في قوله: (وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً). الآية. فيفضلون ما يجعل لغير الله على ما يجعل الله، ويقولون: الله غني وآلهتنا فقيرة. وهؤلاء إذا قصد أحدهم القبر الذي يعظمه يبكي عنده ويخشع ويتضرع ما لا يحصل له مثله في الجمعة والصلوات الخمس وقيام الليل، فهل هذا إلا من حال المشركين لا الموحدين.

ومثل هذا أنه إذا سمع أحدهم سماع الآيات حصل له من الخشوع والحضور ما لا يحصل له عند الآيات بل يستثقلونها ويستهزئون بها وبمن يقرؤها مما يحصل لهم به أعظم نصيب من قوله: (قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) (١). اهـ.


(١) جـ: ١٥ ص: ٤٨: ٥٠ لمجموع الفتاوى.

<<  <   >  >>