للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن جرير: يقول -تعالى ذكره-: اجتنبوا أيها الناس عبادة الأوثان وقول الشرك مستقيمين لله على إخلاص التوحيد له وإفراد الطاعة والعبادة له خالصاً دون الأوثان والأصنام ا. هـ.

قال القرطبي: حنفاء لله أي: مستقيمين أو مسلمين مائلين إلى الحق، ولفظة حنفاء من الأضداد تقع على الاستقامة وعلى الميل، وحنفاء منصوب على الحال. وقيل: حنفاء: حجاجاً. وهذا تخصيص لا حجة معه اهـ.

قال ابن كثير: حنفاء لله أي: مخلصين له الدين منحرفين عن الباطل قصداً: إلى الحق ولهذا قال: "غير مشركين به" اهـ.

عن ابن عمر أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه، فلقي عالماً من اليهود فسأله عن دينهم فقال: إني لعلي أن أدين دينكم فأخبرني. فقال: لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله. قال زيد: ما أفر إلا من غضب الله، ولا أحمل من غضب الله شيئاً أبداً. وأنّى أستطيعه؟ فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفاً. قال زيد: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهودياً ولا نصرانياً ولا يعبد إلا الله. فخرج زيد فلقي عالماً من النصارى، فذكر مثله، فقال: لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله. قال: ما أفر إلا من لعنة الله، ولا أحمل من لعنة الله ولا من غضبه شيئاً أبداً، وأنى أستطيع؟ فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفاً. قال: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهودياً ولا نصرانياً ولا يعبد إلا الله. فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم عليه السلام خرج، فلما برز رفع يديه فقال: اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم" (١). رواه البخاري.

قلت: فمن آي القرآن والسنة وبيان المفسرين ثبت أن الحنيف: هو الذي ترك الشرك قصداً وعلى بصيرة ومقبل على الإخلاص وإفراد الله بالتأله دون ما سواه وهو الذي استقام حاله على الإسلام لربه وحده لا شريك له.

فهل من ترك التوحيد وانغمس في الشرك وجعل لربه شريكاً في التأله وتنقص الإلهية


(١) راجع فتح الباري جـ: ٧ ص: ١٧٦.

<<  <   >  >>