فجعلوا حداً للزنا مكان حد الله سبحانه فنصبوا أنفسهم شركاء لله بنص القرآن (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ). فحكم عليهم القرآن بكفرهم لفعلهم الخبيث، لا لأنهم أهل كتاب -لأن هذا الوصف لا يوصف بذم ولا يبني عليه أحكام بل كما أخبر القرآن أن منهم أمة مقتصدة في كثير من الآيات فلو حكم القرآن بكفرهم لأنهم أهل كتاب لكان التناقض (والعياذ بالله من ذلك). ولكن كان مناط كفرهم هو: فعلتهم الخبيثة، فجاءت الخوارج فأنزلت هذه النصوص على أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص -رضي الله عنهما- عندما حكما في دماء المسلمين بالقرآن من قبل علي ومعاوية رضي الله عنهما وقالوا: حكموا الرجال والله يقول: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ). فحكموا بكفر علي ومعاوية رضي الله عنهما ومن والاهما فأنكر السلف عليهم هذا وقالوا: إنهم عمدوا لآيات نزلت في الكفار فأنزلوها على المسلمين، وحق لهم هذا الإنكار لأن الخوارج أنزلوا الآيات التي جاءت في ذكر الكفار على أفعال ليست هي من جنس أفعالهم.
ولكن من أنزل الآيات التي جاءت في ذكر الكفار على من فعل فعلهم من المسلمين فأين هذا من هذا؟ بل هذا متواتر في كتب العلماء.
والقرآن: مملوء من أمثالها ونظائرها ولكن أكثر الناس لا يشعرون بدخول الواقع تحته وتضمنه له ويظنونه في نوع، وفي قوم قد خلوا من قبل ولم يعقبوا وارثاً. وهذا هو الذي يحول بين القلب وبين فهم القرآن.
ولعمر الله: إن كان أولئك قد خلوا فقد ورثهم من هو مثلهم أو شر منهم أو دونهم، وتناول القرآن لهم: كتناوله لأولئك.
ولكن الأمر كما قال عمر بن الخطاب "إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية"(١). ا. هـ.