على جور وضلالة، وذلك أنهم عملوا بغير ما أمرهم الله به بل على كفر منهم به "وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً" يقول: وهم يظنون أنهم بفعلهم ذلك لله مطيعون وفيما ندب عباده إليه مجتهدون. وهذا من أدل الدلائل على خطأ قول من زعم أنه: لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته، وذلك أن الله -تعالى- ذكره- أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية أن سعيهم الذي سعوا في الدنيا ذهب ضلالاً وقد كانوا يحسبون أنهم محسنون في صنعهم ذلك، وأخبر عنهم أنهم هم الذين كفروا بآيات ربهم. ولو كان القول كما قال: الذين زعموا أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يعلم لوجب أن يكون هؤلاء القوم في عملهم الذي أخبر الله عنهم أنهم كانوا يحسبون فيه أنهم يحسنون صنعه كانوا مثابين مأجورين عليها ولكن القول بخلاف ما قالوا. فأخبر -جل ثناؤه- عنهم أنهم بالله كفرة وأن أعمالهم حابطة. ا. هـ.
وقال القرطبي: الأولى -قوله تعالى:(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً). الآية.
فيه دلالة على أن: من الناس من يعمل العمل وهو يظن أن محسن وقد حبط سعيه، والذي يوجب إحباط السعي: إما فساد الاعتقاد أو المراءاة والمراد هنا الكفر. ا. هـ.
قلت: فهذه نصوص العلماء في غاية الوضوح والبيان في تنزيل الآيات التي جاءت في الكفار الأصليين على من فعل فعلهم من المسلمين، ولولا خشية الإطالة لسردت منها الكثير وقبل الانتقال من هذه المسألة يجب الإشارة إلى مسألة تنقيح المناط والبحث عن العلة التي هي الوصف المناسب المؤثر في الحكم، لأن العلة تدور مع الحكم وجوداً وعدماً فكثير من الناس قد يستنبطون وصفاً يظنونه هو العلة ولا يكون مؤثراً في الحكم وهذا كما فعلت الخوارج والضابط في هذا الرجوع إلى أهل الاجتهاد الموثوق بهم من السلف الصالح عند عامة الأمة حتى يتجنب الزلل في هذا.