للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهؤلاء القوم كما رجح ابن تيمية قد قالوا: هذا القول الذي قد علموا حرمته، ولم يقصدوا الكفر، وظنوا أن الخوض واللعب يدرأ الكفر عن صاحبه كالإكراه وأن الكفر لا يكون إلا مع العمد والجد ومع ذلك كفرهم الشرع ولم يقبل عذرهم فهؤلاء مع جهلهم بكفرهم لم يُعذروا برخصة الخطأ فهذا النص أيضاً يدل على استثناء الكفر من عموم رخصة الخطأ.

الدليل الثالث: يراجع الاحتجاج بدليل عموم آيات النفاق وقوله تعالى: (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ) وقوله تعالى: (وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ) وقوله (وَمَا يَشْعُرُونَ).

وصف أهل القبلة:

أما الاحتجاج بالآيتين (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا) وقوله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ).

فيقال: إن هذه رخصة لأهل القبلة ومعلوم أن وصف أهل القبلة لا يكون إلا لعبد موحد متحنف كفر بكل ما يعبد من دون الله وترك الشرك عن علم وقصد، ووحد الله الواحد القهار، فهذا هو الذي يترخص برخص أهل القبلة أما المشرك والكافر فليس من أهل القبلة (١) والدليل على ذلك أن رخصة الخطأ جاءت بعد سياق تحقيق الإيمان بقوله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ .... رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا). فمن السياق يُعلم أن رخصة الخطأ هي: فيما دون ذلك القدر من التوحيد والإيمان الذي هو أصل الدين وهذا كالحديث الذي في البخاري: "أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال وحوله عصابة من أصحابه: "بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ..... فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له .. ".

قال الحافظ: قال النووي: عموم هذا الحديث مخصوص بقوله تعالى: (إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ). فالمرتد إذا قتل على ارتداده لا يكون القتل له كفارة.

قلت: (أي الحافظ) وهذا بناء على أن قوله: "من ذلك شيئاً" يتناول جميع ما ذكره وهو ظاهر (٢). ا. هـ.

ثم أخذ الحافظ يذكر تأويلات العلماء في هذا ورجح كلام الإمام النووي.


(١) يراجع: المبحث الثالث من الفصل الثالث من الباب الثاني.
(٢) جـ: ١ ص: ٨١: ٨٣ - كتاب فتح الباري.

<<  <   >  >>