للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال القرطبي: ... أي إنما فعلنا ذلك بهم لأني لم أكن أهلك القرى بظلمهم أي: بشركهم قبل إرسال الرسل إليهم فيقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير. وقيل: لم أكن أهلك القرى بشرك من أشرك منهم فهو مثل: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى). ولو أهلكهم قبل بعثة الرسل فله أن يفعل ذلك اهـ.

وقال البغوي: أي: الذي قصصنا عليك من أمر الرسل، وعذاب من كذبهم لأنه لم يكن ربك مهلك القرى بظلم أي: لم يكن مهلكهم بظلم أي: يشرك من أشرك: (وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ). لم ينذروا حتى نبعث إليهم رسلاً ينذرونهم اهـ.

وقال الشوكاني: (يظُلْمٍ)) (١) (-سببيه: أي: لم أكن أهلك القرى بسبب ظلم من يظلم منهم والحال أن أهلها غافلون. لم يرسل الله إليهم رسولاً. والمعنى: أن الله أرسل الرسل إلى عباده لأنه لا يهلك من عصاه بالكفر من القرى. والحال أنهم غافلون عن الإعذار والإنذار بإرسال الرسل وإنزال الكتب اهـ.

قلت: فهذا النص بفهم السلف يثبت وصف الشرك قبل البعثة والناس في غفلة إلا أن العذاب لا يكون إلا بعد الرسالة-.

والآن بمشيئة الله وعونه أسوق آية من كتاب الله هي الفصل في هذه المسألة ومنها يعلم علة هذا الحكم وهو ثبوت وصف الشرك بمجرد التلبس به دون إقامة حجة وبلوغ رسالة وهذا الحكم عام مطرد بين جميع الخلق وكافة الأمم ألا وهي آية الميثاق، وقبل الحديث عنها أنبه على أن العلماء قد اتفقوا على أن هذه الآية حجة مستقلة في الإشراك واختلفوا هل هي حجة مستقلة في العذاب أم لا؟ على قولين.

واختلفوا هل الإشهاد أخذ حقيقة بلسان المقال أم مجازاً وهو بلسان الحال؟ على قولين:

فهذا ما اتفقوا عليه وهذا ما اختلفوا فيه حتى لا تختلط المفاهيم وتنضبط الأحكام.

* * *


(١) (بظلم) - إشارة إلى قوله تعالى (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم -، سببيه بتشديد الياء

<<  <   >  >>