"لكل نبي حواري وحواري الزبير". ومعلوم أن الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، جاءوا بمعرفة الله -تعالى- وما يجب له وما يجوز وما يستحيل عليه وأن يبلغوا ذلك أممهم، فكيف يخفي ذلك على من باطنهم واختص بهم حتى يجهلوا قدرة الله -تعالى-؟ ...
وقيل: إن القوم لم يشكوا في استطاعة الباري سبحانه لأنهم كانوا مؤمنين عارفين عالمين، وإنما هو كقولك للرجل: هل يستطيع فلان أن يأتي، وقد علمت أنه يستطيع فالمعنى: هل يفعل ذلك؟ وهل يجيبني إلى ذلك أم لا؟ وقد كانوا عالمين باستطاعة الله -تعالى- لذلك ولغيره علم دلالة وخبر ونظر فأرادوا علم معاينة كذلك كما قال إبراهيم، صلى الله عليه وسلم، (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى). على ما تقدم وقد كان إبراهيم علم لذلك علم خبر ونظر ولكن أراد المعاينة التي لا يدخلها ريب ولا شبهة.
قلت وهذا تأويل حسن، وأحسن منه أن ذلك كان من قول: من كان مع الحواريين ..
قال ابن الحصار: وقوله سبحانه مخبراً عن الحواريين لعيسى (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) ليس يشك في الاستطاعة، وإنما هو تلطف في السؤال وأدب مع الله -تعالى- إذ ليس كل ممكن سبق في علمه وقوعه لكل أحد والحواريون هم كانوا خيرة من آمن بعيسى فكيف يظن بهم الجهل باقتدار الله -تعالى- على كل شيء ممكن؟ وأما قراءة التاء فقيل المعنى: هل تستطيع أن تسأل ربك. هذا قول عائشة ومجاهد -رضي الله عنهما -قالت عائشة- رضي الله عنها- كان القوم أعلم بالله -عز وجل- من أن يقولوا ""[قالت] ولكن "هل تستطيع ربك" وروى عنها أيضاً أنها قالت: كان الحواريون لا يشكون أن الله يقدر على إنزال مائدة ولكن قالوا: "هل تستطيع ربك" وعن معاذ بن جبل قال: "أقرأنا النبي، صلى الله عليه وسلم، "هل تستطيع ربك" قال معاذ: وسمعت النبي، صلى الله عليه وسلم، مراراً يقرأ بالتاء "هل تستطيع ربك". ا. هـ.
وقال الطبري: ... فقرأ ذلك جماعة من الصحابة والتابعين "هل تستطيع" بالتاء "ربك" بالنصب بمعنى: هل تستطيع أن تسأل ربك؟ أو هل تستطيع أن تدعو ربك؟ أو هل تستطيع وترى أن تدعوه؟ وقالوا: لم يكن الحواريون شاكين أن الله -تعالى ذكره- قادر أن ينزل عليهم ذلك وإنما قالوا لعيسى: هل تستطيع أنت ذلك .... (ثم أخذ يتكلم عن قراءة يستطيع ويرجحها فقال): إن الله -تعالى ذكره- قد كره منهم ما قالوا من ذلك واستعظمه وأمرهم بالتوبة ومراجعة الإيمان من قبلهم ذلك والإقرار لله بالقدرة على كل شيء وتصديق