المذهب الثالث: وهو -قول جماهير أهل السنة- أن الأفعال توصف بقبح. وبحسن قبل الشرائع والعقاب لا يكون إلا بعد إقامة الحجة.
قال ابن تيمية وأيضاً: فالاستغفار والتوبة مما فعله وتركه في حال الجهل قبل أن يعلم أن هذا قبيح من السيئات، وقبل أن يرسل إليه رسول، وقبل أن تقوم عليه الحجة، فإنه -سبحانه- قال:(وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً). وقد قال طائفة من أهل الكلام والرأي: إن هذا في الواجبات الشرعية غير العقلية، كما يقوله من يقول من المعتزلة وغيرهم من أصحاب أبي حنيفة وغيرهم مثل أبي الخطاب وغيره. على أن الآية عامة لا يعذب الله أحداً إلا بعد رسول. وفيها دليل على أنه لا يعذب إلا بذنب خلافاً لما يقوله المجبرة أتباع جهم: أنه -تعالى- يعذب بلا ذنب، وقد تبعه طائفة تنتسب إلى السنة كالأشعري وغيره وهو قول القاضي أبي يعلى وغيره ... وقوله (١): (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ...). وما فعلوه قبل مجيء الرسل كان سيئاً وقبيحاً وشراً لكن لا تقوم عليهم الحجة إلا بالرسول. هذا قول الجمهور.
وقيل: إنه لا يكون قبيحاً إلا بالنهي وهو قول من لا يثبت حسناً ولا قبيحاً إلا بالأمر والنهي، كقول: جهم والأشعري ومن تابعه من المنتسبين إلى السنة وأصحاب مالك والشافعي وأحمد: كالقاضي أبي يعلى وأبي الوليد الباجي وأبي المعالي الجويني وغيرهم.
والجمهور من السلف والخلف على أن ما كانوا فيه قبل مجيء الرسول من الشرك والجاهلية كان شيئاً قبيحاً وكان شراً، لكن لا يستحقون العذاب إلا بعد مجيء الرسول، ولهذا كان للناس في الشرك والظلم والكذب والفواحش ونحو ذلك ثلاثة أقوال: قيل: إن قبحها معلوم بالعقل وأنهم يستحقون العذاب على ذلك في الآخرة وإن لم يأتهم رسول كما يقوله: المعتزلة وكثير من أصحاب أبي حنيفة وحكوه، عن أبي حنيفة نفسه، وهو قول أبي الخطاب وغيره. وقيل لا قبح ولا حسن ولا شر فيهما قبل الخطاب وإنما القبيح ما قيل فيه: لا تفعل والحسن ما قيل فيه: افعل، أو ما أذن في فعله كما تقوله الأشعرية ومن وافقهم من الطوائف الثلاث. وقيل: إن ذلك سيء وشر وقبيح قبل مجيء الرسول لكن العقوبة إنما تستحق بمجيء الرسول وعلى هذا عامة السلف وأكثر المسلمين وعليه يدل الكتاب والسنة فإن فيهما بيان أن ما عليه