والقرآن مملوء بهذا (أي الاحتجاج بالأمثلة العقلية على بطلان الشرك والفواحش) لمن تدبره كقوله تعالى: (ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[الروم: ٢٨]. يحتج سبحانه عليهم بما في عقولهم من قبح: كون مملوك أحدهم شريكاً له. فإذا كان أحدكم يستقبح أن يكون مملوكه شريكه ولا يرضى بذلك. فكيف تجعلون لي من عبيدي شركاء تعبدونهم كعبادتي؟
وهذا يبين أن أن قبح عبادة غير الله تعالى مستقر في العقول والفطر. والسمع نبه العقول وأرشدها إلى معرفة ما أودع فيها من قبح ذلك.
احتج سبحانه: على قبح الشرك بما تعرفه العقول من الفرق بين: حال مملوك يملكه أرباب متعاصرون سيئوا الملكة، وحال عبد يملكه سيد واحد قد سلم كله له.
فهل يصح في العقول استواء حال العبدين؟ فكذلك حال المشرك والموحد الذي قد سلمت عبوديته لإلهه الحق لا يستويان (١) اهـ.
وقال أيضاً -رحمه الله- في نفس المسألة:(وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً ...). فأخبر -تعالى- أن ما قدمت أيديهم قبل البعثة سبب لإصابتهم بالمصيبة وأنه -سبحانه- لو أصابهم بما يستحقون من ذلك لاحتجوا عليه بأنه لم يرسل إليهم رسولاً، ولم ينزل عليهم كتاباً، فقطع هذه الحجة بإرسال الرسول وإنزال الكتاب لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وهذا صريح في أن أعمالهم قبل البعثة كانت قبيحة بحيث استحقوا أن يصيبوا بها المصيبة، ولكنه -سبحانه- لا يعذب إلا بعد إرسال الرسل، وهذا هو فصل الخطاب -إلى أن قال في ص: ١١ - في قوله تعالى:(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ) أي: لو كان في السموات والأرض آلهة تعبد غير الله لفسدتا وبطلتا، ولم يقل: أرباب بل قال: آلهة.