(وَيَكُونَ الدِّينُ). أي: الطاعة والعبادة (لِلّه) وحده فلا يعبد شيء دونه ... (فَإِنِ انتَهَوْاْ) عن الكفر وأسلموا (فَلاَ عُدْوَانَ). فلا سبيل (إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ). قاله: ابن عباس اهـ.
وقال أيضاً في (آية الأنفال): (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ). أي: شرك، قال الربيع: حتى لا يفتن مؤمن عن دينه (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه). أي: ويكون الدين خالصاً لله لا شرك فيه (فَإِنِ انتَهَوْاْ). عن الكفر. (فَإِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). اهـ.
وقال القرطبي في آية البقرة: فيه مسألتان:
الأولى: قوله -تعالى-: (وَقَاتِلُوهُمْ). أمر بالقتال لكل مشرك في كل موضع على من رآها ناسخة. ومن رآها غير ناسخة. قال: المعنى: قاتلوا هؤلاء الذين قال الله فيهم: (فَإِن قَاتَلُوكُمْ). والأول أظهر، وهو أمر بقتال مطلق لا بشرط أن يبدأ الكفار. دليل ذلك قوله -تعالى-: (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه). وقال عليه السلام:(أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله). فدلت الآية والحديث على أن سبب القتال هو الكفر؛ لأنه قال:(حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ). أي كفر. فجعل الغاية عدم الكفر وهذا ظاهر. قال: ابن عباس وقتادة والربيع والسدي وغيرهم. الفتنة هناك الشرك وما تابعه من أذى المؤمنين ...
الثانية:(فَإِنِ انتَهَوْاْ). أي عن الكفر إما بالإسلام كما تقدم في الآية قبل أو بأداء الجزية في حق أهل الكتاب اهـ.
قلت: فهل بعد هذا البيان من بيان؟ وهل بعد هذا البرهان من برهان؟ أن القرآن ينص على أن: القتال لا يرفع عن رؤوس المشركين إلا بانتهائهم وإقلاعهم وتبرئهم من كل ما يعبد من دون الله مع إخلاص العبادة لله الواحد القهار، وأن الآية والحديث "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله". بنص السلف الصالح يدلان: على هذا المعنى لا كما فهم كثير من المتأخرين أن المقصد والغاية هو مجرد التلفظ بالشهادتين وإن لم تخرجهم من الشرك إلى التوحيد، ومن الكفر إلى: الإيمان بالله وحده فيا لها من حجة ما أقطعها للمنازع.
العلم بقبح وحرمة الشرك شرط في التوبة منه:
ومن المعلوم بيقين أن الانخلاع من الشرك الذي نصت عليه الآيات أنه شرط في تخلية السبيل يسبقه العلم به وبقبحه حتى يتم البراءة منه.
قال ابن القيم: وعلى هذا الأمر العظيم (محبة الله) أسست الملة، ونصبت القبلة، وهو