فَقَدِ اهْتَدَواْ). فقرأ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هذه الآية فقال أهل الكتاب: أسلمنا. فقال لليهود أتشهدون أن عزيراً عبده ورسوله؟ فقالوا: معاذ الله أن يكون عزير عليه السلام عبداً. وقال للنصارى: أتشهدون أن عيسى كلمة الله وعبده ورسوله؟ قالوا: معاذ الله أن يكون عيسى عبداً فقال الله -عز وجل-: (وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ). أي: تبليغ الرسالة وليس عليك الهداية اهـ.
قلت: نخلص -بفضل الله وعونه وكرمه- من هذه الآية أن الانتهاء عن الشرك والتزام التوحيد هو القدر الذي لا يُرفع السيف عن رؤوس المشركين حتى يقروا ويلتزموا به.
وأكتفي بذكر هذه الآيات العظيمة عن نظيرها في القرآن الكريم إذ أنه يوجد الكثير الكثير من الآيات التي تحوي هذا المعنى الجلي الواضح كقوله -تعالى-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ)[النحل: ٣٦]. وقوله -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء: ٢٥]. وقوله -تعالى-: (اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ). على لسان كل رسول إلى قومه، وقوله:(أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)[النمل: ٣١]. وقوله:(إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ...). وغيرها الكثير من الآيات التي تتحدث عن القدر الذي بلغته الرسل إلى أقوامها وهو يدور على إفراد الله بالتأله ورفض عبادة ما سواه وأن الإقرار بهذا هو الذي يدخل صاحبه في الإسلام والله يتولى السرائر ويكون من المؤمنين بالرسل لا من الكافرين بهم الإيمان الذي تجري عليه به أحكام الإسلام في الظاهر هذا بخلاف الإيمان الذي يحرم صاحبه على الخلود في النيران -أعاذنا الله جميعاً منها برحمته وكرمه وعفوه-.
وهذا الإيمان الذي تجري به الأحكام هو المعني: بقول المعصوم، صلى الله عليه وسلم:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله". أخرجه مسلم.