للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن النطق بها. وإلا فلو قالوها وبقوا على عبادة اللات والعزى ومناة لم يكونوا مسلمين ولقاتلهم -عليه السلام- حتى يخلعوا الأنداد ويتركوا عبادتها ويعبدوا الله وحده لا شريك له وهذا أمر معلوم بالاضطرار من الكتاب والسنة والإجماع.

وقال في ص: ٦٠ ولا ريب أنه لو قالها أحد من المشركين ونطق أيضاً بشهادة أن محمداً رسول الله ولم يعرف معنى الإله ومعنى الرسول وصلى وصام وحج ولا يدري ما ذلك إلا أنه رأى الناس يفعلونه فتابعهم ولم يفعل شيئاً من الشرك فإنه لا يشك أحد في عدم إسلامه وقد أفتى بذلك فقهاء الغرب كلهم في أول القرن الحادي عشر أو قبله في شخص كان كذلك كما ذكره صاحب "الدر الثمين في شرح المرشد المعين" من المالكية ثم قال شارحه: وهذا الذي أفتوا به جلي في غاية الجلاء لا يمكن أن يختلف فيه اثنان. انتهى. ولا ريب أن عُبّاد القبور أشد من هذا لأنهم اعتقدوا الإلهية في أرباب متفرقين اهـ.

قلت: قوله رحمه الله -تعالى-: "لا يشك أحد في إسلامه" أي: الإسلام المنجي في الآخرة وإن كان معه الإسلام -الذي تجري به الأحكام ويعصم الدم والمال -في الدنيا- لبراءته: من الشرك وانقياده للشرع في الظاهر- وهذا هو الذي يسميه الفقهاء: بالإسلام الحكمي.

قال ابن تيمية: لكن لما كان غالب المسلمين يولد بين أبوين مسلمين يصيرون مسلمين إسلاماً حكمياً من غير أن يوجد منهم إيمان بالفعل. ثم إذا بلغوا فمنهم من يرزق الإيمان الفعلي فيؤدي الفرائض، ومنهم من يفعل ما يفعله بحكم العادة المحضة والمتابعة لأقاربه وأهل بلده ونحو ذلك: مثل أن يؤدي الزكاة لأن العادة أن السلطان يأخذ الكلف، ولم يستشعر وجوبها عليه لا جملة ولا تفصيلاً فلا فرق عنده بين الكلف المبتدعة، وبين الزكاة المشروعة، أو من يخرج من أهل مكة [كل] سنة إلى عرفات: لأن العادة جارية بذلك من غير استشعار أن هذه عبادة لله لا جملة ولا تفصيلاً أو يقاتل الكفار لأن قومه قاتلوهم فقاتل تبعاً لقومه ونحو ذلك، فهؤلاء لا تصح عبادتهم بلا تردد بل نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة قاضية بأن هذه الأعمال لا تسقط الفرض .. وأيضاً فغالب الناس إسلامهم حكمي، وإنما يدخل في قلوبهم في أثناء الأمر إن دخل. فإن لم توجب عليهم هذه النية لم يقصدوها فتخلوا قلوبهم منها فيصيرون منافقين إنما يعملون الأعمال عادة ومتابعة كما هو واقع كثير من الناس (١) اهـ.


(١) جـ: ٢٦ ص: ٣٠: ٣٢ لمجموع الفتاوى.

<<  <   >  >>