للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسلماً، وبطالب بالثانية، وفائدة الخلاف تظهر بالحكم بالردة.

قوله: (فإن هم أطاعوا لك بذلك) أي شهدوا وانقادوا وفي رواية ابن خزيمة: "فإن هم أجابوا لذلك" وفي رواية الفضل بن العلاء كما تقدم: "فإذا عرفوا ذلك" وعدى أطاع باللام وإن كان يتعدى بنفسه لتضمنه: معنى انقاد. واستدل به على أن أهل الكتاب: ليسوا بعارفين وإن كانوا يعبدون الله ويظهرون معرفته، لكن قال حذاق المتكلمين: ما عرف الله من شبهه بخلقه أو أضاف إليه اليد أو أضاف إليه الولد، فمعبودهم الذي عبدوه ليس هو الله وإن سموه به (١) اهـ.

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز تعليقاً على الجملة السابقة كلاماً مهماً يقرأ بعناية في الهامش من الكتاب: "لا شك أن من شبّه الله بخلقه أو أضاف إليه الولد جاهل به -سبحانه- ولم يقدره حق قدره لأنه -سبحانه- لا شبيه له ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً. وأما إضافة اليد إليه -سبحانه- فمحل تفصيل فمن أضافها إليه -سبحانه- على أنها من جنس أيدي المخلوقين فهو مشبه ضال، وأما من أضافها إليه على الوجه الذي يليق بجلاله من غير أن يشابه خلقه في ذلك فهذا حق وإثباتها لله على هذا الوجه واجب كما نطق به القرآن وصحّت به السنة وهو مذهب أهل السنة فتنبه والله الموفق.

قلت: يلاحظ من هذا النقل السخي بالعبر والفوائد أن التوحيد والشهادة بالرسالة هما أصل الدين ويجب البداءة بهما لأنه لا يصح شيء دونهما إلا بهما.

أن الله الواحد القهار له صفات لا تتصور الذات بدونها ومفهوم التأله قائم عليها فمن جهلها جهل الله وأشرك به وإن ادعى غير هذا ويكون معبوده الحقيقي ليس هو الله ونحن المسلمين نتبرأ من معبوده لقوله -تعالى-: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ).

قال النووي تعليقاً على هذا الحديث نقلاً عن القاضي عياض قال القاضي عياض -رحمه الله- هذا يدل على أنهم ليسوا بعارفين الله -تعالى- وهو مذهب حذاق المتكلمين في اليهود والنصارى أنهم غير عارفين الله -تعالى- وإن كانوا يعبدونه ويظهرون معرفته لدلالة السمع عندهم على هذا، وإن كان العقل لا يمنع أن يعرف الله -تعالى- من كذب رسولاً، قال القاضي عياض -رحمه الله تعالى- ما عرف الله -تعالى- من شبهه وجسمه من اليهود، أو أجاز


(١) فتح الباري جـ: ٣ ص: ٤١٨، ٤٢٠ كتاب الزكاة.

<<  <   >  >>