للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يعبده في هذه الحال وهو -سبحانه- ليست له حال أخرى نعبده فيها: وإن كان التقدير الأول فقد يمكن أن نعيده في حال أخرى تُتخذ معه آلهة أخرى في أنفسنا. لكن قوله: (إِلَهاً وَاحِداً). دليل على أنها حال من المعبود بخلاف ما إذا قيل: نعبده مخلصين له الدين فإن هذه حال من الفاعل. ولهذا يأتي هذا في القرآن كثيراً كقوله: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ). [الزمر: ٢]. وقوله: (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي) [الزمر: ١٤]. فهذا حال من الفاعل فإنه يكون تارة مخلصاً وتارة مشركاً، وأما الرب -تعالى- فإنه لا يكون إلا إلهاً واحداً ...

كما قيل في الجملة: (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ). قيل: واو العطف وقيل واو الحال أي نعبده في هذه الحال ...

والآية فيها: (إِلَهاً وَاحِداً). فهذه حال من المعبود بلا ريب فلزم أنهم إنما عبدوه في حال كونه إلهاً واحداً وهذه لازمة له ....

. . . و (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ). لا سيما إذا جعلت حالاً. أي: نعبده إلهاً واحداً في حال إسلامنا له. وإسلامهم له يتضمن: إخلاص الدين له وخضوعهم واستسلامهم لأحكامه بخلاف غير المسلمين ... -إلى أن قال في ص: ٦٠٠ - .

وقوله: (وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ). نفى عنهم عبادة معبوده فهم إذا عبدوا الله مشركين به لم يكونوا عابدين معبوده وكذلك هو إذا عبده مخلصاً له الدين لم يكن عابداً معبودهم.

الوجه الخامس: أنهم لو عينوا الله بما ليس هو الله وقصدوا عبادة الله معتقدين أن هذا هو الله كالذين عبدوا العجل والذين عبدوا المسيح والذين يعبدون الدجال والذين يعبدون ما يعبدون من دنياهم وهواهم ومن عبد من هذه الآمة فهم عند نفوسهم إنما يعبدون الله لكن هذا المعبود الذي لهم ليس هو الله، فإذا قال: (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ). كان متبرئاً من هؤلاء المعبودين وإن كان مقصود العابدين هو الله.

الوجه السادس: أنهم إذا وصفوا الله بما هو بريء منه كالصاحبة والولد والشريك وأنه فقير أو بخيل أو غير ذلك وعبدوه وكذلك فهو بريء من المعبود الذي لهؤلاء فإن هذا ليس هو الله (١) اهـ.


(١) جـ: ١٦ ص: ٥٥٠: ٦٠٠ لمجموع الفتاوى.

<<  <   >  >>