قلت: وهكذا لا تجد مشركاً قط إلا وقد ظن بربه ظن السوء وهذا الظن طعن مباشر في ألوهيته وربوبيته ونفى لهما فلذلك تجد معبوده ليس هو الله وإن ادّعى غير ذلك، وإنما معبوده هو الشيطان -عليه لعنة الله- ومن هنا نعلم أن أي مشرك لم يعرف الله وإن زعم غير هذا وهذا معنى قول المعصوم، صلى الله عليه وسلم، في أهل الكتاب -فإذا عرفوا الله-. وهذا يبطل قول من يزعم أن من أقر لله بالعبودية في الإجمال دون التفصيل -أي: أنه قد يدعو غير الله أو يذبح أو ينذر لغير الله مع إقراره أنه لا يعبد إلا الله -فهو مسلم في الدنيا وناج عند الله يوم القيامة فإن هذا باطل كل البطلان لأن الله لا يعبد إلا بالتوجه له وحده لا شريك له وأن يكن المتوجه مسلماً خالصاً لله الواحد القهار، فالشرك ينفي مفهوم العبادة لدى هذا العبد فلا يوصف بأنه عبد الله.
والدليل الصحيح الصريح -بفضل الله وعونه وكرمه- على ما مضى كله الحديث الذي في الصحيح" ... كذلك يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئاً فليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت ... "(١).
قلت: ومن المعلوم أن من كان يعبد الطواغيت والقمر والشمس يظن أنه يعبد الله، ولكن هو في حقيقة الأمر يعبد الطواغيت لذلك عند التوجه في أرض المحشر تبعهم ولم يتبع رب العالمين، ولم يبق في أرض المحشر إلا من كان يعبد الله وحده لا شريك له مخلصاً له الدين بعد إقصاء أهل الكتاب والمنافقين كما جاء في الحديث. فعلم بهذا الحديث أن عبادة الله لا تكون إلا بالتوجه لله وحده لا شريك له في حال إسلام وإخلاص من المتوجه. وإذا كان ذلك كذلك لم يبق للمشرك أياً كان هذا المشرك نصيب من عبادة الله، وعلم بيقين أن أي مشرك فهو جاهل بربه مضرب عن عبادته شاء المشرك أم أبى وهذا في حقيقة الأمر.
قال صاحب قرة عيون الموحدين تعليقاً على هذا الحديث قوله: فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله". وكانوا يقولونها لكنهم جهلوا معناها الذي دلّت عليه من إخلاص العبادة لله وحده وترك عبادة ما سواه. فكان قولهم: لا إله إلا الله لا ينفعهم