اشتراط العلم لقبول القول والعمل لا نزاع فيها، وإنما النزاع مع المتكلمين هو في إيجاب تعلم الأدلة على القوانين المذكورة في كتبهم.
قال النووي في شرح صحيح مسلم باب (الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً) هذا الباب فيه أحاديث كثيرة وتنتهي إلى حديث العباس ابن عبد المطلب -رضي الله عنه- ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، واعلم أن مذهب أهل السنة وما عليه أهل الحق من السلف والخلف أن من مات موحداً دخل الجنة قطعاً على كل حال فإن كان سالماً من المعاصي كالصغير والمجنون والذي اتصل جنونه بالبلوغ والتائب توبة صحيحة من الشرك أو غيره من المعاصي إذا لم يحدث معصية بعد توبته والموفق الذي لم يبتل بمعصية أصلاً فكل هذا الصنف يدخلون الجنة ولا يدخلون النار أصلاً. لكنهم يردونها على الخلاف المعروف في الورود. والصحيح أن المراد به المرور على الصراط وهو منصوب على ظهر جهنم -أعاذنا الله منها ومن سائر المكروه- وأما من كانت له معصية كبيرة ومات من غير توبة فهو في مشيئة الله- سبحانه وتعالى- فإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة أولاً وجعله كالقسم الأول وإن شاء عذبه القدر الذي يريده -سبحانه وتعالى- ثم يدخله الجنة.
فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من المعاصي ما عمل كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل هذا مختصر جامع لمذهب أهل الحق في هذه المسألة وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به من الأمة على هذه القاعدة وتواترت بذلك نصوص تحصل العلم القطعي فإذا تقررت هذه القاعدة حمل عليها جميع ما ورد من أحاديث الباب وغيره، فإذا ورد حديث في ظاهره مخالفة وجب تأويله عليها ليجمع بين نصوص الشرع وسنذكر من تأويل بعضها ما يعرف به تأويل الباقي -إن شاء الله تعالى- والله أعلم ...
-ثم نقل عن القاضي عياض- فقال: وأما معنى الحديث وما أسبهه: "من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة". فقد جمع فيه القاضي عياض -رحمه الله- كلاماً حسناً جمع فيه نفائس، فأنا أنقل كلامه مختصراً ثم أضم بعده إليه ما حضرني من زيادة.