قال الإمام الطبري: يقول -تعالى ذكره- لنبيه وإن استأمنك يا محمد من المشركين الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم أحد ليسمع كلام الله منك وهو القرآن الذي أنزله الله عليه "فأجره": يقول: فأمّنه حتى يسمع كلام الله وتتلوه عليه ثم أبلغه مأمنه، يقول: ثم رده بعد سماع كلام الله إن هو أبى أن يسلم ولم يتعظ بما تلوته عليه من كلام الله فيؤمن إلى مأمنه .... (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ). يقول: تفعل ذلك بهم من إعطائك إياهم الأمان ليسمعوا القرآن وردك آياهم إذا أبوا الإسلام إلى مأمنهم من أجل أنهم: قوم جهلة لا يفقهون عن الله حجة، ولا يعلمون ما لهم بالإيمان بالله لو آمنوا، وما عليهم من الوزر والإثم لتركهم الإيمان بالله اهـ.
وقال الإمام البغوي:(حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ). فيما له وعليه من الثواب والعقاب ... (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ). أي: لا يعلمون دين الله وتوحيده فهم محتاجون إلى سماع كلام الله. قال الحسن: هذه الآية محكمة إلى قيام الساعة اهـ.
وقال الإمام الشوكاني في تفسيره:(بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ)، أي: بسبب فقدانهم للعلم النافع المميز بين الخير والشر في الحال والمآل اهـ.
قلت: فهذا النص القرآني المحكم في دلالته يثبت في وضوح حكم الشرك مع الجهل الشديد المطبق في وقت اندرست فيه الشرائع، وطمست فيه السبل، واشتدت الفتن حتى إذا أخرج العبد يده فيها لم يكد يراها من شدة الظلمات لذلك سميت بالجاهلية لكثرة الجهالات.
قال الإمام النووي تعليقاً على حديث ابن جدعان: وأما الجهالية فما كان قبل النبوة سمّوا بذلك لكثرة جهالتهم (١).