وأما أدلةُ وقوعِ الأحكام: فهي غير منحصرة، فالزوالُ مثلًا دليلُ مشروعيتهِ سببًا لوجوب الظهرِ عندَهُ قولُهُ تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}. ودليلُ وقوعِ الزوال وحصوله في العالَم الآلاتُ الدالَّةُ عليه، وغيرُ الآلاتِ كالإِسطرلاب والمِيزان ورُبع الدائرة ... والمختَرَعاتِ التي لأنهاية لها. وكذلك جميعُ الأسبابِ والشروطِ والموانع لا تتوقف على نَصْبِ من جهة الشرع، بل المتوقفُ سببيَّة السبب وشرطية الشرط ومانعيَّة المانع، أمَّا وقوعُ هذه الأمور فلا يَتوقفُ على نَصْبِ من جهة صاحب الشرع. ولا تنحصر تلك الأدلة في عدد، ولا يمكن القضاء عليها بالتناهي. وأمَّا الحِجَاجُ فهي ما يقضي به الحُكَام، ولذلك قال - عليه السلام -: "فلعل بعضكم أن يكون ألحَنَ بحُجَّتِهِ من بعض، فأقضِي له على نحو ما أَسمع". فالحِجَاجُ تتوقفُ على نَصبِ من جهة صاحب الشرع، وهي البينةُ، والِإقرارُ، والشاهدُ واليمين، والشاهدُ والنكول، واليمينُ والنكول، والمرأتانِ واليمين، والمرأتانِ والنكول، والمرأتانِ فيما يختص بالنساء، وأربعُ نسوة عند الشافعي، وشهادةُ الصبيان، ومجرَّدُ التحالف عند مالك، فيقتسمان بعدَ أيمانهم عند تساويهما عند مالك، فذلك نحوُ عشرةٍ من الحِجاج هي التي يقضي بها الحاكم، فالحِجاجُ أقلُّ من الأدلة الدالة على المشروعية، وأدلَّةُ المشروعية أقلُّ من أدلة الوقوع. وفائدةُ هذه الثلاثة الأنواع مُوَزَّعةٌ في الشريعة على ثلاث طوائف، فالأدلَّةُ يَعتمدُ عليها المجتهدون، والحِجاجُ يَعتمدُ عليها الحكام، والأسبابُ يَعتمدُ عليها المكلفون كالزوالِ ورؤيةِ الهلال ونحوِهما".