ووجوبُ الوتر مذهبُ أبي حنيفة، ولا يَتبادَرُ الذهنُ إِلَّا إِلى هذا الذي وقَعَ به الإختصاص، دون ما اشترك فيه السَّلَفُ والخَلَفُ والمتقدّمون والمتأخّرون.
كما أنه لا يقال: هذه طريقُ الزُّهَّاد إِلَّا فيما اختَصَّ بهم، دون ما يُشاركهم فيه الفُجَّار والكَفَرة، فالطُّرقُ المشتركةُ لا يَحسنُ إِضافتُها لآحادِ الناس إِلَّا توسُّعاً، وعلى التحقيقِ لا يُضافُ إِلَّا للمُختَصّ.
كذلك المذاهبُ إِنما هي طَرِيقٌ مَعْنَوِيّهٌ لا يُضافُ لعالمٍ منا إِلَّا ما اختَصَّ به. وكذلك يقال: المذاهبُ المشهورةُ أربعة، ولن يَحصُلَ التعدُّدُ إِلا بالإختصاصِ لا بالمشتَرَكِ بينها.
وعلى هذا ينبغي أن يزاد في الضابط هذا القيدُ، فإِذا قيل لك: ما مذهبُ مالك؟ فقُل: ما اختَصَّ به من الأحكام الشرعيةِ الفُرُوعيةِ الاجتهاديةِ، وما اختَص به من أسبابِ الأحكام والشروطِ والموانعِ والحِجاجِ المثبِتةِ لها. وهذا هو اللائق الذي يُفهَمُ في عرف الإستعمال، وما السؤالُ إِلا عنه.
وبهذا التلخيص تزداد المسألةُ غُموضاً والجوابُ عن السؤال بُعداً، وتقلُّ معرفةُ الجواب من كثيرٍ من الفقهاء (١).
تنبيه
اعلم أنَّا إِذا قلَّدنا آحاد العلماء في الأسباب، إِنما نُقلِّدهم في كونها أسبابًا لا في وقوعها، ففَرْقٌ بين قولِ مالك: اللِّواطُ مُوجِب للرَّجْم، وبين قوله: فلانٌ لاطَ، فنُقلِّدُه في الأول دون الثاني، بل الثاني من باب
(١) أي حيث تتوقَّفُ معرفةُ المذهب على معرفة ما اختَص به من الأحكام ... وما اختَصَّ به من أسباب الأحكام ... فإنَّ معرفة ذلك لا يَنهضُ بها إِلا الأفذاذُ من الفقهاء.