وإننا عندما نقرأ أو نسمع ما ثبت عن الله ورسوله في كتابة المقادير يجب أن نفهم بأن هذه الكتابة هي من عالم الغيب، فلا ينبغي أن نقيسها على الكتابة التي نكتبها بأيدينا ولا على القلم الذي نكتب به، بل هي عبارة عن سبق علم الله بالأشياء قبل وقوعها فانه سبحانه يعلم ما كان وما سيكون كيف يكون، فهي بمثابة المكتوب المضبوط في علم الله عبر عنها سبحانه بالكتابة كما يقول الرجل لصاحبه حاجتك مكتوبة في صدري إذا أراد الاعتناء بها - إلى أن قال - وكتابته للأشياء إشارة إلى علمه بسائر المعلومات لا تخفي عليه خافية من أمر خلقه، فهي كالمكتوب المضبوط في علمه إذ ليس عندنا وصف الكتابة ولا القلم المكتوب به ولا المكتوب فيه - إلى أن قال في صفحة ١٦ - وإنما ذكرت هذا لتقريب الأذهان إلى الإذعان بالإيمان بالقرآن فهو سبحانه يعلم بالمصيبة قبل وقوعها، وعلمه سبحانه بها ليس هو الذي أوقع المصاب في المصيبة وإنما وقعت بالأسباب المترتبة على وقوعها.
وأقول: إن في كلام ابن محمود عدة أخطاء، أحدها التناقض وذلك أنه أثبت كتابة المقادير في أول كلامه واستدل لذلك بثلاث آيات من القرآن وحديثين صحيحين، وقال: إن هذه الكتابة من عالم الغيب فلا ينبغي أن نقيسها على الكتابة التي نكتبها بأيدينا ولا على القلم الذي نكتب به، ثم رجع فنقض قوله وزعم أن الكتابة عبارة عن العلم القائم بذات الله وسبق علمه بالأشياء قبل وقوعها وأن ذلك بمثابة المكتوب المضبوط في علم الله، وهذا في الحقيقة نفي للكتابة بالكلية، وحاصل قوله: إن الكتابة اسم لا مسمى له ولفظ لا معنى له.
الخطأ الثاني: زعمه أن الله تعالى عبر عن علمه بالكتابة وهذا من القول على الله بغير علم، ويلزم على هذا القول إلغاء ما جاء في القرآن من النصوص الدالة على كتابة المقادير وعلى