للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم فادعوا لأنفسهم مقاما أعلى مما وصلوا إليه فأدبوا في ذلك، وهذا معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما وإبراهيم النخعي وقتادة واختاره ابن جرير، وإنما قلنا هذا لأن البخاري رحمه الله ذهب إلى أن هؤلاء كانوا منافقين يظهرون الإيمان وليسوا كذلك، وقد روي عن سعيد بن جبير ومجاهد وابن زيد أنهم قالوا: في قوله تبارك وتعالى: {وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} أي استسلمنا خوف القتل

والسبي، وقال قتادة: نزلت في قوم امتنوا بإيمانهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحيح الأول أنهم قوم ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان ولم يحصل لهم بعد، ولو كانوا منافقين لعنفوا وفضحوا كما ذكر المنافقون في سورة براءة، وإنما قيل لهؤلاء تأديبا {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} أي لم تصلوا إلى حقيقة الإيمان بعد. انتهى.

وذكر ابن رجب في كتابه (جامع العلوم والحكم) عن المحققين من العلماء أنهم قالوا: كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا فإنه قد يكون الإيمان ضعيفا فلا يتحقق القلب به تحقيقا تاما مع عمل جوارحه أعمال الإسلام فيكون مسلما وليس بمؤمن الإيمان التام كما قال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} الآية فلم يكونوا منافقين بالكلية على أصح التفسيرين وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما وغيره، بل كان إيمانهم ضعيفا، ويدل عليه قوله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} الآية , يعني لا ينقصكم من أجورها فدل على أن معهم من الإيمان ما يقبل به أعمالهم، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما قال له: لم تعط فلانا وهو مؤمن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أو مسلم» يشير إلى أنه لم يتحقق مقام الإيمان فإنما هو في مقام الإسلام الظاهر

<<  <   >  >>