وقال شيخ الإسلام أيضا في جواب آخر في صفحة ٤٤٩ من المجلد الثامن: مذهب أهل السنة والجماعة ما دل عليه الكتاب والسنة وكان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان؛ وهو أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه، وقد دخل في ذلك جميع الأعيان القائمة بأنفسها وصفاتها القائمة بها من أفعال العباد وغير أفعال العباد، وأنه سبحانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يكون في الوجود شيء ألا بمشيئته وقدرته، لا يمتنع عليه شيء شاءه، بل هو قادر على كل شيء، ولا يشاء شيئا إلا وهو قادر عليه، وأنه سبحانه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، وقد دخل في ذلك أفعال العباد وغيرها.
وقد قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم، قدر آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم وكتب ذلك وكتب ما يصيرون إليه من سعادة وشقاوة، فهم يؤمنون بخلقه لكل شيء وقدرته على كل شيء ومشيئته لكل ما كان، وعلمه بالأشياء قبل أن تكون وتقديره لها وكتابته إياها قبل أن تكون. وغلاة القدرية ينكرون علمه المتقدم وكتابته السابقة، ويزعمون أنه أمر ونهي وهو لا يعلم من يطيعه ممن يعصيه بل الأمر أنف أي مستأنف.
وهذا القول أول ما حدث في الإسلام بعد انقراض عصر الخلفاء الراشدين وبعد إمارة معاوية بن أبي سفيان في زمن الفتنة التي كانت بين ابن الزبير وبين بني أمية في أواخر عصر عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وغيرهما من الصحابة، وكان أول من ظهر ذلك عنه بالبصرة معبد الجهني فلما بلغ الصحابة قول هؤلاء تبرؤا منهم وأنكروا مقالتهم كما قال عبد الله بن عمر لما أخبر عنهم، إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني