أسيد فقد وقت فيه التقدير بأربعين يوماً، وفي لفظ بأربعين ليلة، وفي لفظ ثنتين وأربعين ليلة، وفي لفظ بثلاثة وأربعين ليلة. وهو حديث تفرد به مسلم ولم يروه البخاري، وكثير من الناس يظن التعارض بين الحديثين ولا تعارض بينهما بحمد الله، وأن لملك الموكل بالنطفة يكتب ما يقدره الله سبحانه على رأس الأربعين الأولى حين يأخذ في الطور الثاني وهو العلقة. وأما الملك الذي ينفخ فيه فإنما ينفخها بعد الأربعين الثالثة فيؤمر عند نفخ الروح فيه بكتب رزقه وأجله وعمله وشقاوته أو سعادته، وهذا تقدير آخر غير التقدير الذي كتبه الملك الموكل بالنقطة، ولهذا قال في حديث ابن مسعود: ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات. وأما الملك الموكل بالنطفة فذاك راتب معها ينقلها بإذن الله من حال إلى حال فيقدر الله سبحانه شأن النطفة حين تأخذ في مبدأ التخليق وهو العلق ويقدر شأن الروح حين تتعلق بالجسد بعد مائة وعشرين يوما فهو تقدير بعد تقدير. فاتفقت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق بعضها بعضا ودلت كلها على إثبات القدر السابق ومراتب التقدير. انتهى.
وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على أن الله تعالى قضى بالسعادة لبعض الناس قبل أن يخلقهم وقضى بالشقاوة لبعض الناس قبل أن يخلقهم وفي بعضها أنه كتب ذلك؛ وهي تؤيد حديث ابن مسعود رضي الله عنه وتدل على كتابة القدر السابق وسأذكر منها ما تيسر إن شاء الله تعالى وبه الثقة.
الحديث الأول عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «فرغ الله إلى كل عبد من خمس من أجله ورزقه وأثره ومضجعه وشقي أو سعيد» رواه الإمام أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط قال الهيثمي: وأحد إسنادي أحمد رجاله ثقات، ورواه عبد الله بن الإمام