فإن قال ابن محمود: إنه يعتقد أن علم الله قديم وأن الله لم يزل عالما بجميع الأشياء في الأزل.
قيل له يلزمك على هذا القول مع قولك أن كتابة المقادير عبارة عن العلم القائم بذات الله وسبق علمه بالأشياء قبل وقوعها أن تكون الكتابة أزلية أيضا، ويلزم على هذا تكذيب ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة» وتكذيب ما جاء في حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السموات والأرض» وتكذيب الأحاديث الثابتة في خلق القلم وأمره بكتابة المقادير من حين خلقه الله، وسيأتي ذكر الأحاديث في ذلك في التنبيه الثالث إن شاء الله تعالى.
ويلزم أيضا على القول بأن الكتابة أزلية أن يكون القلم واللوح المحفوظ أزليين وهذا موافق لقول الفلاسفة القائلين بقدم العالم، والقول بقدم العالم كفر بلا نزاع.
والمقصود هنا بيان أن أحد الأمرين لازم لابن محمود، أما أن يقول: إن علم الله حادث وكائن وقت كتابة المقادير، أو أن يقول: إن كتابة المقادير قديمة أزلية، وكل من الأمرين باطل وخطير.
وقد ذكر شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في جواب له في الجزء الثامن من الفتاوى أن غلاة القدرية أنكروا علم الله القديم وكتابه السابق، قال: وهؤلاء هم أول من حدث من القدرية في هذه الأمة ورد عليهم الصحابة وسلف الأمة وتبرؤا منهم انتهى من صفحة ٥٩.