كانت مختلفة عن نظرة الآخر إليه، فنظرة ابن سنان إلى النظم كانت نظرة الناقد، الذي يبحث في الكلام عن الغرض منه، ليستطيع الحكم عليه بالجودة أو الرداءة؛ بينما كانت نظرة عبد القاهر إلى النظم، نظرة الناظم، الذي ينظم الكلام على حسب الأغراض.
وعلى أية حال: فقد أحسن عبد القاهر استغلال فكرة ابن سنان أيما إحسان! .
ثم شرح عبد القاهر ما يقصده من تتبع - أو توخي - معاني النحو فيما بين الكلم: بأن النظم ليس إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو، وتعمل على قوانينه، وأصوله، وتعرف مناهجه التي نهجت؛ فلا تزيغ عنها، وتحفظ الرسوم التي رسمت لك؛ فلا تخل بشيء منها؛ كأن تنظر في أوجه الخبر، والشرط، والجزاء، والحال، والحروف التي تشترك في معنى، ثم ينفرد كل واحد منها بخصوصية. وفي الجمل التي ترد، فتعرف فيها موضع الفصل من موضع الوصل، وتتصرف في التعريف والتنكير، والتقديم والتأخير، في الكلام كله، وفي الحذف والتكرار والإظهار والإضمارـ، فتضع كل ذلك في مكانه، وموقعه، وتستعمله استعمالاً صحيحاً موفقاً.
وهكذا نجد أن عبد القاهر، قد أخذ عن أبي سعيد السيرافي شطر (نظرية النظم) وأتم شطرها الآخر مما وجده في (سر الفصاحة) لابن سنان الخفاجى، ثم أخذ في إقامة الدليل على صحتها بما يلي:
أولاً: أنك لا تجد كلاماً يرجع صوابه - إن كان صواباً - وخطؤه - إن كان خطأ - إلى النظم، ويدخل تحت هذا الاسم، إلا وهو معنى من معاني النحو قد أصيب به موضعه، ووضع في حقه، أو عومل بخلاف هذه المعاملة، فأزيل عن موضعه واستعمل في غير ما ينبغي له.