للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الطريف أن عبد القاهر - وهو يؤلف الأسرار، ولم يكن قد أطلع على مناظرة أبي سعيد التي ألهمته (معاني النحو) - قد قارن بين بيت الفرزدق الذي يضرب به المثل في التعقيد، وبين الأشعار التي أثنوا عليها فلم يستنتج منها ما توصل إليه في الدلائل، من أن النظم هو: توخي معاني النحو فيما بين الكلم، وذلك حيث يقول: "فخذ إليك الآن بيت الفرزدق الذي يضرب به المثل في تعسف اللفظ:

وما مثله في الناس إلا مملكاً ... أبو أمه حي أبوه يقاربه

فأنظر: أيتصور أن يكون ذمك للغظه من حيث أنك أنكرت شيئاً من حروفه، أو صادفت وحشيا غريباً، أو سوقياً ضعيفاً، أم ليس إلا لأنه لم يرتب الألفاظ في الذكر، على موجب ترتب المعاني في الفكر .. ؟

وإذا وجدت ذلك أمراً بيناً لا يعارضك فيه شك، ولا يملكك منه امتراء، فانظر إلى الأشعار التي أثنوا عليها من جهة الألفاظ، ووصفوها بالسلاسة، ونسبوها إلى الدمائه، وقالوا كأنها الماء جريانا، والهواء لطفاً، والرياض حسناً، وكأنهم النسيم، وكأنها الرحيق مزاجها التسنيم، وكأنها الديباج الخسرواني في مرامي الأبصار، ووشى أن ص ١٤٣ منشوراً على أذرع التجار، كقوله:

ولما قضينا من منى كل حاجة ... ومسح بالأركان من هو ماسح

وشدت على دعم المهارى رحالنا ... ولم ينظر الغادى الذي هو رائح

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسألت بأعناق المطى الأباطع

<<  <   >  >>